xxxxxxxxxxxx xxxxxxxxxxxx

عشرة أشهر يا الله… وهم ينادونك !

عشرة أشهر يا الله… وهم ينادونك !
24/9/2024
بقلم : بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية
 

عشرة أشهر يا الله… وهم ينادونك! 

أسمعهم كل يوم يقولون إنهم فوّضوا أمرهم إليك، وضعوا بين يديك أعمارهم وأرواحهم وأجسادهم وأملاكهم وأحلامهم لتحميها، لتُبعد عنها الرعب والموت والخسارة.

عشرة أشهر يا الله…كفروا بكل شيء إلا برحمتك، تعبوا من الإبادة ولم يتعبوا من الصلاة، اعتصموا بحبلك هرباً من العذاب.

عشرة أشهر يا الله… وأنت تعذبهم لأنهم مؤمنون بك! 

منذ  تشرين الأول/ أكتوبر وأنا أعدّ… انقضى الشهر الأول ولم تفعل شيئاً. قلت لنفسي لعلك تريد أن تجري اختباراً شبيهاً بمعجزاتك التي بعثت بها الأنبياء والرسل والصالحين ليرتقوا بالتجربة الإنسانية إلى مستويات أعلى من الوعي. 

ثم مرّ الأسبوع الأول من الشهر الثاني ولم يبدر عنك حسّ ولا حركة. ظللت محافظاً على صمتك وحيادك.

مرت أيام وليالٍ سوداء، تعالت فيها صرخات الأمهات والآباء والأطفال حتى كادت أن تزيح السماء وأنت جامد في مكانك، ترى وتسمع وكأنك لا ترى ولا تسمع. قلت لنفسي تمهّلي لربما ينوي أن يمدّ الحبل أكثر قليلاً ليلفه بإحكام حول أعناق القتلة. 

تابعت مشاهدة مسلسل الآلام، وأنا على أملي بك.

ثم دخلنا في الشهر الثاني، فقُتل يوسف الأبيضاني وشعره كيرلي وحلو، وتبعه صديقه محمد، وحصلت مجزرة مستشفى المعمداني، وتوالت صور الأطفال المقتولين بوجوههم المصفرة وأكفانهم البيضاء، ممددين جنباً إلى جنب في ثلاجات الموتى وثلاجات “الآيس كريم”، هذا جعفر وبقربه هبة وأخوتها وذاك محمد وريم وسامر… وأنت كما أنت، غائب عن المشهد، مصر على غيابك من دون تفسير، كأن ما يجري لا يعنيك، لا يتحدى مشيئتك…

وانتهى الأسبوع الأول من الشهر الثاني، ولا بد أنك تابعت مثلنا، حصار مستشفى الشفاء وقصفها وتفجيرها وطرد المرضى والجرحى منها مشياً على جروحهم وآلامهم نحو مجزرة أخرى في مكان آخر. 

وتابعت مثلنا أيضاً، كيف تُرك الأطفال الخدج وحدهم في الشفاء، ليشفيهم الموت من وجع هذه الحياة، بعدما تعفنت أجسادهم في العلب الزجاجية الصغيرة، وذابت عظامهم القطنية، وأنت معنا، رأيت ما رأينا.

ثم أتى الشهر الثالث، ودخل موسم المطر والبرد مصطحباً معه الجوع والعطش والتهجير والمزيد من القتل والتدمير، ومرت تحت ناظريك أسراب المهجرين يمشون ساعات من الشمال إلى الجنوب.

وسمعت مع من قرروا البقاء في الشمال، أطنان المتفجرات تتساقط على غزة وجباليا والشجاعية، وتمحو مربعات سكنية طويلة وعريضة، وتنهد أسقفها على رؤوس قاطنيها وتطحن أرواحهم وعظامهم، ولا تترك منهم أثراً.

ثم كرت سبحة الأيام والأشهر، ورأينا ورأيت شام على سرير المستشفى، تقاتل لالتقاط أنفاسها، فينتفض جسدها الصغير ألماً، ساعة تفتح عينيها على وسعهما، وساعة تغلقهما، كأنها تريد أن تقول لنا يا للرعب الذي خبرته، يا لقسوة ما أشعر به.

وسمعنا وسمعت أن لولو وأهلها صاروا في عداد المفقودين، وأن سوار وسيلينا نزحا إلى خانيونس الآمنة، فقتلوهما هناك، وأن أبناء آلاء الأربعة: يامن وكنان وأوركيدا وكرمل، ما زالوا نائمين تحت ركام منزلهم…

 
 

للمزيد : أرشيف القسم