في ولاية تيارت شمالي غرب الجزائر، قبل أشهر من نهاية تسعينيات القرن العشرين، حظيت عائلة بسيطة بفتاة أسمتها إيمان، وهو الاسم الذي سيلازمها وستحمله بداخلها على مدار السنين.
الأخت الكبرى لست شقيقات وأخ وحيد، ترعرعت في قرية نائية بيوتها قديمة من القرميد وجدرانها غير أسمنتية، لا تضم الكثير مما قد يثير الأطفال، بشوارع واسعة ومسافات كبيرة تسمح للأطفال من الذكور باللعب خارج المنزل، وثقافة شعبية لا تسمح بأريحية للفتيات بالخروج من المنزل كثيراً.
أحبت كرة القدم ومارستها في شوارع قريتها مع الصبية، الذين كانت تشتبك مع من لم يرق له منهم أن تنافسهم فتاة في لعبتهم المفضلة، ولحسن حظها أنها تعرضت لمثل هذه الاشتباكات، التي ساعدتها في اكتشاف موهبتها في الملاكمة، كما لوحظ عليها القدرات البدنية الفائقة بشكل متميز عن بقية أقرانها.
كانت بيئة متشددة ولكن قدرات إيمان البدنية، لم تسمح لها بالجلوس في المنزل، وفي إحدى المرات التي كانت تلعب فيها بالشوارع، لاحظها أحد الأطفال الذين يلعبون في جمعية الحماية المدنية، ليخطر مدرب النادي محمد شعوة بأن هناك فتاة تلعب كرة القدم بشخصية متميزة وبنية جسدية قوية، ليطلب شعوة مقابلة والدها.
لكن في قرية بمواصفات معينة، كان النقل الجماعي مع بعد المسافات يشكل عائقاً، مع خوف والدها على سمعتها كفتاة في قرية شبه ريفية، لا تتيح للفتيات التنقل بمفردهن، وجد شعوة صعوبة في التوصل لحل مع والد إيمان، الذي وافق في النهاية.
عشرة كيلومترات كانت تفصل قرية إيمان عن مقر تدريبها الجديد، فاضطرت لبيع الخبز بالطرقات وباعت والدتها الكسكس، حتى يتحملا نفقات المواصلات، ولكن مع عودتها بسيارات مختلفة كل يوم، كان الكثيرون يتحدثون عنها في القرية، وهو ما جعل والدها الذي كان يغيب عن المنزل لفترات طويلة ليرعى الغنم قبل التحول لمهنة الحدادة، يعترض على سفرها ويطلب منها أن تتوقف عن ممارسة الرياضة.
فكرت إيمان في اعتزال الرياضة مؤكدة على انضباطها وعدم رغبتها في أن يكثر الحديث حولها في بلدتها، لتتواصل عمتها مع شقيقها، وتعرض عليه أن تتولى مسؤولية ابنته.
إيمان منذ كانت في الرابعة من عمرها كانت تحب زيارة عمتها، والتي كان زوجها أيضا ابن خالة والدها، وأطفالهم أشقاء إيمان من الرضاعة، وكانت طفلة محرومة من امتلاك ألعاب الأطفال بحكم تواضع مستوى الأسرة المالي، فكانت تزور عمتها لقضاء الكثير من الوقت بألعاب أبنائهم الخاصة.
يقول رشيد زوج عمة إيمان: "تدخلنا واستقبلناها في منزلنا بالمدينة، واعتنينا بها وبوجباتها المخصصة من أجل الرياضة، وشجعناها كفرد من العائلة، ووافق والدها قائلا إنها ابنتنا وتعيش لدينا، وأكد على تفهمه بأنني سأرعى ابنته بالشكل المناسب ورحب بانتقال إيمان لمنزلنا، حتى لا يصطدم بكلام الناس عنها وبعاداتنا".
رحلت إيمان لمنزل عمتها وهي لا تملك ديناراً واحداً، وكانت تعاني، لكنها لم تكترث بما حولها، بعدما وجدت الدعم من سكان منطقتها الجديدة، التي لم تكن تعرفها جيدا، وكان زوج عمتها وأبناؤه يصحبونها لمقر تدريباتها، وباعت النحاس حتى توفر نفقاتها.