xxxxxxxxxxxx xxxxxxxxxxxx

قراءة في بدائل حل الدولتين

قراءة في بدائل حل الدولتين
22/1/2023
بقلم : عبد اللطيف حصري
 

لا تستطيع اليوم أكثر الطروحات تفاؤلا أن تشير الى امكانية واقعية للتقدم نحو حل الدولتين، فاذا كان برنامج حكومة نتنياهو الخامسة السياسي برسم صفقة القرن والضم وتصفية القضية الفلسطينية، فان حكومته السادسة جاءت برسم الاجهاز على حل الدولتين بالتوازي مع الاجهاز على ما تبقى من ملامح ديمقراطية بالدولة، ووصول المشروع الصهيوني الى خط النهاية، وأعني الى دولة الأبرتهايد وتدمير حل الوسط التاريخي، ليس فقط بصيغته الأولية بقرار التقسيم من العام 47، بل وبصيغته الممسوخة بحدود 67، وحتى بصيغته الظالمة بما أفضت اليه إتفاقات أوسلو، فما انجزه المشروع الصهيوني في الجغرافيا كان متكاملا من وجهة النظر الصهيونية، لولا انه اصطدم بالديموغرافيا. 

رغم عملية التطهير العرقي المستمرة منذ اربعينيات القرن الماضي، يعيش اليوم بين البحر والنهر نحو أربعة عشر مليون نسمة مناصفة تقريبا بين عرب ويهود. لكن المناصفة سكانيا لا تنعكس في الجغرافيا والموارد، ومن هنا ليس ان مسببات الصدام الحاد قد تضاعفت وحسب، وانما استحقاق الحل بات ملحا أكثر وضاغطا أكثر قبيل الانفجار الكبير.

مشروعان متقابلان لن يكونا قادرين على انتاج شيء غير المزيد من الصدام الدموي، وأعني مشروع الفاشية الصهيونية لدولة واحدة بنظامين وهو حرفيا نظام أبرتهايد، ومشروع دولة الخلافة الاسلامية وهو ايضا يحمل عناصر فاشية اسلامية تقود الى نفس الصورة التصادمية، رغم ان حظوظ مشروع الفاشية الصهيونية تبدو واعدة على الارض واجراءات اقامة الدولة الواحدة بنظامين تسير بخطى حثيثة تشريعا وممارسة، من قانون القومية وعشرات القوانين العنصرية، وصولا الى الانقضاض على المحكمة العليا وشطب مظاهر الفصل بين السلطات. 

انتفاضة إسرائيل البيضاء وحربها على ما يسمى "الديمقراطية"، انتفاضة مبتورة ومنقوصة وتفتقر الى مضمون حقيقي يمس جوهر الصراع والاحتلال وتغول الاستيطان، لا تملك أي أفق سياسي ولم تتجاوز الاجماع الصهيوني، وتبدو محاولات حصر المظاهرات في قضايا يهودية – يهودية، والابتعاد عن مسببات الأزمة وتجاهل الكتلة السكانية الفلسطينية، تبدو أكثر جزءً من مشروع الأبرتهايد الصهيوني، من كونها حركة احتجاج وحراك ديمقراطي.

لا شك أن انسداد الأفق السياسي يشكل حافزا جديا لبروز افكار لحلول غير حل الدولتين، وعلى سبيل المثال تطرح بعض النخب الفلسطينية وكذلك بعض النخب الاسرائيلية، فكرة الدولة ثنائية القومية. وفي واقع الأمر الفكرة ليست جديدة، وقد تقدم بها الحزب الشيوعي الفلسطيني عام 1947 عشية قرار التقسيم، ويمكن الاشارة هنا الى توضيحات ماير فلنر كعضو في وفد الحزب الشيوعي الفلسطيني الذي مثل أمام لجنة التحقيق الدولية، ردا على استفسارات المندوب الهندي بضرورة "الاعتراف بحق الشعبين في الاستقلال في فلسطين الديمقراطية الحرة الواحدة، على قاعدة مبدأ المساواة الكاملة في الحقوق المدنية، والقومية والسياسية". وقدم الوفد صيغة متكاملة لطبيعة النظام السياسي بمجلسين منتخبين ديموقراطيا، مجلس نواب ينتخب على اساس النسبية ومجلس قوميات منتخب مناصفة بين القوميتين. لكن سأتوقف عند أكثر المقترحات تعارضا مع المشروع الصهيوني، لكنه بالوقت نفسه الأكثر تلعثما وتأتأة، وأعني مقترح "دولة كل مواطنيها". إذ لم يقدم إجابة صريحة عن أية دولة يتحدث المقترح، ولا عن أية حدود؟ والسؤال الأهم الذي أخفق المقترح بالرد عليه هو: هل يؤيد حل الدولتين ولو مرحليا؟ وهكذا راوح المقترح في ضبا
بية قد تكون محكومة بمواقف سياسية، على اعتبار ان المقترح برمته مستنسخ عن ادبيات عصبة التحرر الوطني (1948-1943) وخطاب توفيق طوبي في الكنيست (1985) ردا على التعديل القانوني في تعريف قانون أساس "لدولة يهودية وديمقراطية". فالنقل الميكانيكي دون الأخذ بشروط الزمان والمكان، وتقديم المقترح وكأنه جاء ليتناقض مع طروحات شكلت مصدر الهام لصياغته، جعله مرتبكا ومتلعثما لا يرقى الى مستوى برنامج سياسي للحل.

ففي أدبيات عصبة التحرر الوطني جاء في مقترح "الدولة الديمقراطية المستقلة" - "نختط سياسة تؤمن الحقوق الوطنية للشعب العربي في فلسطين، وفي الوقت نفسه تؤمن الحقوق المدنية والحريات الديمقراطية للسكان اليهود في فلسطين، هذه الحقوق وتلك الحريات التي لا تتعارض أبداً مع أماني الشعب العربي القومية. واننا بذلك نعترف بحق السكان اليهود في ان يصلوا الى كل حق وطني شرعي عادل وصل اليه اليهود في أي بلد ديمقراطي آخر".

وفي خطاب توفيق طوبي جاء: "أن تأتوا اليوم وتقرّروا بالقانون أنّ دولة إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي، يعني القول لـ 16% من مواطني الدولة أن لا دولة لهم بتاتًا والإقرار أنهم سكان بلا دولة، وان دولة إسرائيل هي دولة مواطنيها اليهود فقط، وأنّ المواطنين العرب يعيشون فيها ويسكنوها بمنة، بدون حقوق متساوية كما للمواطنين اليهود. ألا يشعر مُعدّو هذا التعريف أنهم يقولون لـ700 ألف مواطن أنهم مواطنون من الدرجة الثانية؟" وأضاف طوبي: "جماهير الشعب العربي التي تعيش في إسرائيل، مواطني الدولة، لا وطن لها سوى هذا الوطن. هذا وطنهم، سيعيشون فيه، ويناضلون فيه من أجل مساواة حقوقهم، وفيه يريدون العيش كمتساوين بين متساوين. ولن يوافقوا على تعريفات تعني سلب حقهم في المساواة، وإلغاء حقيقة أنّ دولة إسرائيل هي دولتهم أيضًا. وسويًا مع القوى الديمقراطية اليهودية سيناضلون من أجل العيش بكرامة ومساواة. وأنا أسأل: ألا يفهم مُعدُّو هذه الصيغة أنهم بهذا التعريف يلطخون دولة إسرائيل كدولة أبرتهايد، كدولة عنصرية؟ اقتراحنا هو إبقاء النص، بأن تكون دولة إسرائيل كرامةً وبيتًا ووطنًا لكل مواطنيها اليهود والعرب".

يمكن القول ان التناقض الداخلي لمقترح "دولة كل مواطنيها" جاء من الشكل الأصولي في طرحة المتناقض الى حد القطيعة مع الجذور الفكرية المنتجة للمقترح، كما بيّنا في مقترحات عصبة التحرر وخطاب توفيق طوبي، وبسبب سلخه من السياق التاريخي زمنيا ومكانيا من حل الدولتين كإمكانية مرحلية قد تؤسس لمستقبل أفضل لشعوب المنطقة وعتبة ضرورية لأي وحدة مستقبلية. 

في واقع الأمر وفي ظل تمدد المشروع الصهيوني بشكله الاستعماري الشرس، كل صيغة تستثني حل الدولتين كضرورة من أجل تصفية الاحتلال وتفكيك المشروع الاستيطاني وتحقيق تنمية اقتصادية تحرر الشعب الفلسطيني من التبعية، وكعتبة ضرورية وحاسمة في تفكيك المشروع الصهيوني، هي بالمحصلة اقرار بدولة الأبرتهايد، فسيطرة اسرائيل على كامل التراب الوطني الفلسطيني مع وجود عربي لا يقل تعدادا عن الوجود اليهودي، يجعل من المعازل العرقية التي يعيش فيها العرب قنابل موقوته قابلة للانفجار في كل لحظة، لكنه بنفس الوقت يختصر المسافات ويضع حركة التحرر الوطني الفلسطيني بكل فصائلها، تماما كما يضع الأحزاب السياسية الفاعلة بين الجماهير العربية، أمام استحقاق التحرر من وهم الدولتين، (بعد استكمال إسرائيل الاجهاز عليه كحل وحتى كمرجعية للحل)، والنضال لإسقاط الأبرتهايد الصهيوني وانتزاع حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني والعيش بمساواة تامة وحقوق متساوية كما جاء تماما في مذكرة عصبة التحرر الوطني في العام 1947 بخصوص الدولة العلمانية والديمقراطية.

 
 

للمزيد : أرشيف القسم