xxxxxxxxxxxx xxxxxxxxxxxx
صرخة غضب وإدانة علنية: لن نسمح بتمزيق إنسانيتنا!
صرخة غضب وإدانة علنية: لن نسمح بتمزيق إنسانيتنا!
12/12/2025
بقلم : جيهان حيدر حسن
 

اليوم، 9.12.2025، وقع في شفاعمرو حادث إطلاق نار خطير وغير مسبوق: في ساعات الصباح أُطلقت النار باتجاه حافلة صغيرة كانت تقلّ أطفالًا ذوي احتياجات خاصة في طريقهم إلى المدرسة. وبفضل الحظ ورعاية السماء لم تقع إصابات بشرية، لكن المركبة تضررت، وترك الحادث الأطفال – وهم فئة شديدة الحساسية والضعف – في حالة ذعر عميقة. شهود عيان وصفوا الحادث بأنه من أصعب الأحداث التي شهدتها المدينة، ورغم عدم انتهائه بخسائر بشرية – فقد كان قريبًا جدًا من كارثة مروّعة. حقيقة أن أحدهم ضغط على الزناد نحو حافلة تقلّ أطفالًا ذوي إعاقة تكشف عمق انحدار هؤلاء المجرمين: انعدام تام للإنسانية، غياب كامل لأي رادع أخلاقي، ولا مبالاة مطلقة حيال من قد يُصاب – حتى لو كان طفلًا بريئًا.

ورغم أن الحادث استثنائي في حدّته، إلا أنه ليس منفردًا. إحدى  النساء التي شهدت ما جرى تحدّثت عن واقع معيش لا يُحتمل: شعور دائم بالخوف، وخروج من البيت يرافقه قلق ثقيل من احتمال عدم العودة. وقالت: "عليك أن تعانق أفراد أسرتك قبل الخروج – وكأنها لحظة وداع." إنه وصف مرعب لمجتمع فقد أبسط مقومات الأمان.

هذا الفعل وصمة عار أخلاقية لا غفران لها. إنه اعتداء على جوهر الإنسانية. إطلاق نار متعمّد على أشخاص عاجزين – وبخاصة أطفالًا ذوي احتياجات خاصة – هو تجاوز لخط أحمر واضح. فهذه فئة يمثل أي اعتداء عليها مساسًا بقيمنا الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية الأساسية. هؤلاء الأطفال خرجوا صباحًا ليتعلموا وينمّوا قدراتهم ضمن حدود إمكاناتهم – فإذا بهم يتحولون إلى هدف لجريمة وحشية.

الحادث يشير إلى انهيار الحواجز الأخلاقية. لم يعد الأمر "نزاعات داخلية" أو جرائم بين مجرمين فحسب – بل تآكل خطير في التماسك الاجتماعي والقيم الأساسية لحماية الضعيف. هل وصلنا إلى لحظة يصبح فيها الاعتداء على أطفال ذوي احتياجات خاصة عنصرًا من عناصر "حرب شوارع" منفلتة بلا حدود؟ جوابنا قاطع: لا. أبدًا. لن نقبل بذلك ولن نصمت.

في أعقاب الحادث، أعلن رئيس بلدية شفاعمرو عن إضراب شامل في جهاز التعليم. ورغم أن القرار يحمل رسالة إدانة مهمة ويعبّر عن صوت احتجاجي – إلا أن الإضراب قرار خاطئ في جوهره. فهو يترك الأطفال والطلاب بلا إطار تربوي، وقد يعمّق الفوضى الاجتماعية ويخلق بيئة خصبة لوقوع أحداث إضافية. إنها ردّة فعل متطرفة قد تُلحق ضررًا كبيرًا، خاصة وأن هناك وسائل نضال مدنية أكثر فاعلية لا تعطل جهاز التعليم.

نحن نساند بقوة كل من يدين الجريمة البشعة، لكننا نعارض بشدة قرار شلّ المدينة عبر الإضراب. وإذا كان الحادث فعلًا صادمًا – وهو كذلك – فعلينا أن نسأل بصراحة:

• هل الإضراب ردّ مناسب على المسّ بأضعف فئة في المجتمع؟
• هل إغلاق المدارس والمحال يعزز الأمان ويعيد الثقة؟
• هل تعطيل الحياة سيوقف إطلاق النار والجريمة؟
• هل البقاء في المنازل سيدفع الشرطة للعمل بفعالية أكبر؟

المجرمون لا "يتمركزون" في مكان واحد. إنهم يجوبون الشوارع، مسلحين، ومستعدين لإيذاء أي شخص يصادفهم. لذلك، يجب في الواقع القيام بعكس منطق الإضراب: تعزيز الحياة اليومية، استعادة السيطرة على الحيز العام، وبث رسالة واضحة بأن الحياة لا تتوقف أمام إرهاب إجرامي.

الإضراب يعني تجميد الحياة – وهو في الحقيقة نوع من الانسحاب. إنه يمنح المجرمين شعورًا بالقوة، وكأن بوسعهم شلّ المجتمع كله. بدلاً من ذلك، نحن بحاجة إلى خطوات فعالة وطويلة المدى:

  1. المطالبة الفورية بتأمين مؤسسات التعليم ووسائط النقل، خصوصًا الأطر المخصصة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.

  2. الضغط الشعبي الجاد والمستمر على الشرطة وأجهزة الأمن لجمع السلاح غير القانوني، وتفكيك خلايا الإجرام، وفرض عقوبات رادعة.

  3. تجنيد المجتمع بأكمله لعزل المجرمين وخلق مناخ اجتماعي يمنع الجريمة من الترسخ.

الأدوات الفعالة تشمل مظاهرات لا تعطل التعليم، ضغطًا شعبيًا منظمًا، تعاونًا بين بلدات، مشاركة الأهالي والمجتمع دون شلّ الحياة اليومية، ضغطًا سياسيًا، سياسات بلدية مبادرة، إشراك قيادات دينية واجتماعية، واستخدامًا ذكيًا للإعلام – كل هذه أدوات بناءة تُحدث تغييرًا حقيقيًا.

ندفع اليوم ثمن الصمت، وغضّ الطرف، وعدم المطالبة بنظام عام سليم. يجب أن يتحول الغضب إلى قوة دافعة نشطة وغير متسامحة. يجب ألا نسمح للجبناء المسلحين بمواصلة الاختباء في الظلام وتوجيه أسلحتهم نحو أطفال أبرياء – أطفال لا علاقة لهم بعالم الجريمة لا من قريب ولا من بعيد.

كفى! لقد حان الوقت لتحويل الغضب إلى محرّك للتغيير.
الإضراب لن ينقذ الأرواح – أما الفعل المدني الذكي والحازم فسينقذها بلا شك.

جِيهان حيدر حسن

 
   

للمزيد : أرشيف القسم
الكرمل للإعلام

الكرمل للإعلام
  • الصفحة الرئيسية
  • أخبار محلية
  • أخبار عالمية
  • مقالات وأراء
  • أخبار خفيفة
  • رياضة
  • فن وثقافة
  • مواضيع متنوعة

المواد المنشورة في الموقع على مسؤولية المصدر المذكور في كل مادة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الكرمل ©