xxxxxxxxxxxx xxxxxxxxxxxx
إرث عصبة التحرر الوطني في فلسطين والتحديات الاستراتيجية بعد حرب الإبادة والتطهير العرقي في غزة
إرث عصبة التحرر الوطني في فلسطين والتحديات الاستراتيجية بعد حرب الإبادة والتطهير العرقي في غزة
5/12/2025
بقلم : د. مروان مشرقي
 

شكّلت الندوة الحوارية التي نظمها المنبر التقدمي الديمقراطي الفلسطيني – رام الله بالتعاون مع مركز إميل توما للدراسات – حيفا، في ذكرى اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، نظرة عميقة حول امتدادات عصبة التحرر الوطني في فلسطين (1943–1948)، من خلال مشاركة نخبة من القيادات السياسية والوطنية: بسام الصالحي، الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني، عصام مخّول، رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، ماجدة المصري، نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، د. عمر إميل عوّاد، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الأردني، وعبد المجيد حمدان، القيادي السابق في حزب الشعب الفلسطيني.

لقد كان لي شرف المشاركة في النقاش والمساهمة في الحوار السياسي حول التحديات والاستراتيجية الوطنية لأحزاب اليسار بعد حرب الإبادة التي شنّتها إسرائيل بالوكالة عن الولايات المتحدة والغرب الإمبريالي ضد شعبنا في غزة والضفة الغربية.

وقد أخذتنا هذه الندوة إلى التفكير العميق في الواقع الجديد بعد حرب الإبادة على غزة، الذي يضعنا أمام تحديات كبيرة وفي مرحلة فارقة ومصيرية في تاريخ شعبنا الفلسطيني. فهذه الحرب لم تكن مجرد مواجهة عسكرية ضمن حلقات الصراع المتواصلة، بل إنها محاولة ممنهجة لإلغاء الوجود الفلسطيني وتثبيت منظومة استعمارية استيطانية ترفض الاعتراف بالحقوق الوطنية الأساسية لشعبنا، مرتكزة على منطق الحسم العسكري والتهجير والإبادة العرقية.

فنتائج هذه الحرب، وعلى الرغم من فداحة الثمن، كشفت هشاشة المشروع الاستعماري الإسرائيلي، وأعادت الاعتبار للمقاومة بمختلف أشكالها الشعبية والسياسية والميدانية، باعتبارها الوسيلة التاريخية للشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

في مقابل هذا، أكدت الحرب أنّ غزة لم تُهزم، وأنّ إرادة الفلسطينيين ما زالت قادرة على الصمود وإنتاج معادلات جديدة. الاحتلال، رغم جبروته، فشل في تحقيق أهدافه ودخل في أزمة سياسية وأخلاقية غير مسبوقة، مقابل حضور فلسطيني متجدد على المستويات الإقليمية والدولية.

 

/مسؤولية القوى ذات الامتداد لعصبة التحرر الوطني
 
إزاء هذه التحولات، تتحمّل الأحزاب ذات الامتداد التاريخي لعصبة التحرر الوطني مسؤولية سياسية وفكرية مضاعفة في صياغة استراتيجية وطنية جديدة، تستفيد من الدروس العميقة للحرب، وتعيد بناء المشروع التحرري على أسس وطنية تحررية وديمقراطية واجتماعية راسخة.

فالعصبة، التي شكّلت أحد أبرز التيارات التقدمية الفلسطينية في أربعينيات القرن الماضي، كانت صاحبة رؤية مبكرة جمعت بين التحرر الوطني والاجتماعي، ورفضت الاستعمار والصهيونية والرجعية العربية معًا.

إن إرث العصبة الفكري، القائم على العدالة الاجتماعية والمقاومة الشعبية والتنظيم الجماهيري، ليس مجرد ذكرى، بل قاعدة سياسية وأخلاقية حيّة نعود إليها في اللحظات المفصلية، واللحظة الحالية أخطرها، من دون أدنى شك.

 

/ما بعد الحرب: أزمة المشروع الاستعماري وأزمة الداخل الفلسطيني
 
كشفت حرب الإبادة، أيضًا، هشاشة الواقع الفلسطيني الداخلي. فعلى مدار سنوات الانقسام والجمود السياسي ومفاعيل اتفاق أوسلو، عمّقت التباينات وأضعفت قدرة الشعب على بلورة استراتيجية موحدة، وهو ما جعل الانقسام الفلسطيني ليس حدثًا عابرًا، بل نتاج بنية سياسية تشكّلت في سياق أوسلو، ومنها:

 

• تحويل الطبقة السياسية إلى بيروقراطية تابعة تتعايش مع واقع الاحتلال.

• فصل الشعب عن أدواته النضالية، وغياب برنامج كفاحي جماهيري ضد الاحتلال.

• إنتاج مؤسسات تعمل خارج منطق النضال التحرري الشامل.

• انقلاب حماس على السلطة الفلسطينية وانقسام الكيان الفلسطيني الموحد بين غزة والضفة الغربية، واختزال الوحدة الفلسطينية بوحدة فصائلية بين حركة فتح وحركة حماس.

إذن، كشفت الحرب أن المجتمع الفلسطيني، وليس القيادات الرسمية، هو حامل المشروع التحرري. وهذا يعني أن شرعية القيادة تُستمد من قدرتها على تمثيل مصالح الطبقات الشعبية وإعادة بناء منظمة التحرير كجبهة تاريخية تحررية.

اليوم، ونحن على وشك انتهاء الحرب، يُطرح السؤال المحوري:

كيف نحوّل هذا الصمود الشعبي إلى مشروع سياسي وطني جديد؟

يبدأ ذلك من إدراك أن الانقسام الداخلي لم يعد مجرد خلل سياسي، بل تحوّل إلى خطر وجودي. فالمقاومة التي صمدت في غزة لم تكن نتاج فصيل واحد، بل فعل مجتمع كامل. وهذا يستدعي اتجاهًا سياسيًا جديدًا قائمًا على:

• إعادة بناء منظمة التحرير على أسس ديمقراطية وتمثيلية شاملة.

• إشراك القوى الاجتماعية الجديدة والشبابية التي نشأت خارج الأطر التنظيمية التقليدية.

• صياغة برنامج وطني تحرري موحّد يضبط أدوات النضال ويربط بين المقاومة الشعبية والتحرك السياسي والدبلوماسي.

 

/استعادة خطاب العصبة كأداة تفكير معاصرة
 
لا يمكننا، اليوم، الحديث عن مستقبل فلسطين دون العودة إلى جذور المشروع الوطني، وهو:

إنهاء الاحتلال، رفض الاستيطان، تحرير الأرض والإنسان، وضمان حقوق اللاجئين والعودة والحرية والاستقلال.

هذه ليست شعارات، بل برنامج عملي اكتسب شرعية دولية متزايدة بعد انكشاف الطبيعة العنصرية لنظام الاحتلال خلال الحرب.

في هذا السياق، تعود أهمية خطاب عصبة التحرر الوطني — لا من باب التاريخ، بل كمنهج معاصر. فقد قدّمت العصبة نموذجًا سياسيًا يدمج بين:

• التحرر الوطني المعادي للاستعمار والصهيونية.

• العدالة الاجتماعية.

• التنظيم الشعبي الواسع والرؤية التقدمية التي تنطلق من الإنسان وحقوقه.

هذه العناصر قادرة اليوم على إنتاج خطاب وطني جديد يتجاوز ثنائية "المفاوضات مقابل المقاومة"، ويؤسس لجبهة وطنية تحررية اجتماعية وسياسية عريضة داخل فلسطين وخارجها.

 

/استراتيجية وطنية للمرحلة المقبلة
 
تتطلب المرحلة المقبلة استراتيجية متكاملة على ثلاثة محاور مركزية:
*وحدة الموقف والبرنامج الوطني التحرري عبر صياغة رؤية شاملة تنطلق من الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني وتحدّد أدوات النضال بمسؤولية.

*المقاومة الشعبية كركيزة للردع والحفاظ على الحق، ضمن رؤية وطنية تمنع التوظيف الفصائلي وتضمن الحماية للشعب الفلسطيني.

*استثمار العامل الدولي والتحول العالمي الواسع في اتجاه دعم الشعب الفلسطيني، وتعزيز التحالفات مع القوى التقدمية والإنسانية في العالم.

لكن هذه المحاور لن تكتمل دون عملية بناء داخلي عميقة تُعيد الاعتبار للمؤسسات الشعبية والنقابات والحركات الشبابية، وتُنظّم الفعل الجماهيري القادر على الضغط والتأثير.

لقد أثبت الفلسطينيون خلال الحرب قدرتهم على التنظيم تحت القصف، فهل يُعقل ألا يستطيعوا تنظيم حياتهم السياسية في لحظات الهدوء؟

هنا يبرز دور اليسار والقوى التقدمية في تحويل البنية المجتمعية الفلسطينية إلى مؤسسة مقاومة واعية، لا إلى جمهور متلقٍّ.

 

/الاحتلال في أزمة… والفلسطينيون أمام فرصة تاريخية
 
تعيش إسرائيل اليوم أزمة غير مسبوقة: صراع داخلي حاد، تراجع ثقة الجمهور بالمؤسسة الأمنية، وانقسامات سياسية وأيديولوجية عميقة.

هذه الأزمة لا تعني انهيارًا وشيكًا، لكنها تعني تحوّلًا في ميزان القوى يمنح الفلسطينيين فرصة لإعادة صياغة مشروعهم الوطني التحرري في لحظة اضطراب الخصم.

ما جرى في غزة لم يكن هزيمة لفلسطين، بل تثبيتًا لحقها في الوجود. فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه بينما أعاد الشعب الفلسطيني اكتشاف قدرته على صناعة المعادلات. والسؤال اليوم:

هل نملك الإرادة السياسية لتحويل هذا الإنجاز إلى مشروع وطني شامل؟

هل نستطيع تجاوز الانقسام واستعادة الوحدة ومنح شعبنا أفقًا جديدًا؟

 

/نحو مرحلة جديدة من البناء السياسي
 
فلسطين اليوم ليست كما كانت قبل الحرب. صورة العالم تغيّرت، وصورة الاحتلال تغيّرت، وصورة الفلسطيني ذاته تغيّرت.

لا عودة إلى السياسة القديمة، ولا جدوى من الآليات التي حكمت المرحلة السابقة.

ما نحتاجه هو لغة جديدة، ورؤية جديدة، وإرادة جديدة — رؤية توحّد القوى، تشرك المجتمع، وتعيد الاعتبار لروح التحرر الوطني التي حملتها عصبة التحرر الوطني يوم صاغت أولى ملامح الوعي السياسي الحديث في فلسطين.

بهذه الروح، يمكن للشعب الفلسطيني أن يدخل مرحلة جديدة:

مرحلة لا تقتصر على إعادة الإعمار، بل تمتد إلى إعادة بناء المشروع الوطني بأكمله، مرحلة تقول بوضوح إن غزة لم تُهزم، وإن الحركة الوطنية التحررية ما زالت حية، وإن فلسطين قادرة على تحويل الألم إلى قوة، والدمار إلى مستقبل، والصمود إلى برنامج تحرير واستقلال.

الناصرة

 
   

للمزيد : أرشيف القسم
الكرمل للإعلام

الكرمل للإعلام
  • الصفحة الرئيسية
  • أخبار محلية
  • أخبار عالمية
  • مقالات وأراء
  • أخبار خفيفة
  • رياضة
  • فن وثقافة
  • مواضيع متنوعة

المواد المنشورة في الموقع على مسؤولية المصدر المذكور في كل مادة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الكرمل ©