الصور التي تجمع سارة نتنياهو بزوجها، رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي، توحي بالمثالية لما فيها من حب. تقف إلى جانبه وتسانده بعطفها وحنانها، وتمد يدها صوب وجهه لتمسح عن جبينه تعباً وإرهاقاً. تشاركه السراء والضراء والخيبات والانتصارات والسفر، تفرح لفرحه وتحزن لحزنه.
واللمعة في عيني "بيبي" تزداد، كلما نظر إلى سارة. وفي أي مناسبة عامة، يتكلم عنها بفائض من الحب والاحترام. وفي أي مناسبة عامة، تمتدح سارة شجاعة زوجها وقراراته وأهميتها في تاريخ إسرائيل.
هذا ما تظهره الصور وما تخفيه يبدو أعظم وأكبر، فسارة في الصور ليست كسارة خلف الكواليس.
يختصر موقع "العين السابعة" العبري دور سارة نتنياهو في ترسيخ ما يسميها "آلية الديكتاتورية التعسفية"، ويضيف "في حالة دولة إسرائيل، يجب على المسؤولين المنتخَبين أو أولئك الذين يرغبون في الترشح للانتخابات، أو العاملين في الخدمة العامة أو أولئك الذين يرغبون في الترشح لمنصب أو ترقية، أن يأخذوا في الاعتبار ليس فقط المعايير الرسمية الموضوعة لمصلحتهم ومصلحة الجمهور والدولة، لكن أيضاً المعايير غير الرسمية التي وضعت لإرضاء سارة نتنياهو".
بعد مرور سنتين على زواجهما (1991)، صدم نتنياهو العالم عندما ظهر على الهواء واعترف بخيانة زوجته سارة. وبحسب "نيويورك تايمز"، ظهرت تقارير في الصحافة الإسرائيلية عقب اعترافه، حول إشاعات مفادها بأن سارة وافقت على البقاء معه فقط بعد أن جعلته يوقّع على نوع من الاتفاق السري الذي ينص على أنه لا يستطيع الاتصال بنساء أخريات من دون علمها، ولا يمكنه الذهاب إلى أي مكان من دونها ويضمن لها صلاحيات واسعة في مسيرته المهنية والقدرة على التحكم في قراره السياسي والتأثير فيه.
ومهما كانت حقيقة التزام نتنياهو بعقد سرّي وقعه مع زوجته سارة، فليس هناك شك في أنه "ملتزم بشدة تجاه زوجته"، ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن بن كسبيت، كاتب سيرة نتنياهو، قوله "سارة هي أكثر امرأة مكروهة في إسرائيل. ولو طلقها لكان على الأرجح أكثر شعبية. هو يحبها. إنها مشكلة من نواحٍ عدة، لكنه يعتمد عليها أيضاً. إنه يعمل بلا كلل لتبرئة اسمها والحصول على الاستحسان الذي يشعر بأنها تستحقه. وقد أدّت جهوده إلى توريطه في إحدى قضايا الفساد التي يواجه اتهامات بها".
سارة الحديدية
إذاً هي سارة الحديدية القادرة على التأثير في "بيبي" والتي تتعرض لانتقادات شديدة بسبب انشغالها بأمور سياسية منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
ويقال إن هذه السيدة تحكم إسرائيل في الخفاء، وهي الأكثر إثارة للجدل في تاريخ البلاد وتتدخل في قرارات حاسمة داخل حكومة زوجها وتوجهاتها. ولا يتوقف الأمر على ذلك، إذ يرتبط اسمها بعدد من القضايا المتعلقة باستغلال المال العام وتلقي الهدايا وانتهاك حقوق العمال وهي قضايا مثلت إلى التحقيق في عدد منها.
وبحسب مصادر إعلام اسرائيلية، تتدخل سارة نتنياهو في أمور التعيينات في الوزارات السيادية في إسرائيل، فضلاً عن تدخلها في تعيين رئيس جهاز "الموساد"، على مدى 10 أعوام متواصلة هي مدة حكم نتنياهو لإسرائيل، فضلاً عن أنها منعت تعيين مسؤولين حكوميين كبار في وزارة الخارجية ومنعت أيضاً مناقشة هذه التعيينات في إحدى جلسات الحكومة.
ويقول بن كاسبيت، مؤلف كتاب "سنوات نتنياهو"، "من المؤكد أن سارة غير مرحب بها في أي من الجنازات، لقد أدى الخوف من المتظاهرين المحتملين إلى الحد من قدرتها على الظهور في الأماكن العامة، حتى أثناء زياراتها للقواعد العسكرية، حيث يتم نزع سلاح الجنود قبل وصولها".
في المقابل، يقول نتنياهو إن عمل زوجته يقتصر على "العناية بالأطفال المصابين بالسرطان ومساعدة العائلات الثكلى وأولئك الناجين من المحرقة النازية وغيرهم من المحتاجين".
ويبرّر اصطحاب زوجته معه في رحلات إلى الخارج بأن ذلك يرجع إلى "علاقتهما الرائعة"، رافضاً أي تلميح محتمل أن هذا يعود للاتفاق المزعوم بينهما.
تحكم سارة بزوجها
يفيد تقرير نشره المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، بما يعرف بــ"قضية تحكم سارة بزوجها وتدخلها في نظام الحكم في إسرائيل".
وأثار حديث المسؤول السابق في سلاح الجو الإسرائيلي ديفيد آرتسي عن وجود اتفاق سري موقع بين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وزوجته سارة يقضي بالسماح لها بالمشاركة في جلسات حكومية سرية والشراكة في الموافقة على تعيين كبار المسؤولين، خصوصاً الأمنيين منهم.
وقال آرتسي الذي كان مسؤولاً كبيراً في الصناعات الجوية العسكرية الإسرائيلية وقضى فيها أكثر من 40 عاماً، في مقابلة مصورة مع الصحافي دان رافيف إنه اطلع في تسعينيات القرن الماضي على اتفاق وقعه نتنياهو وسارة لدى المحامي ديفيد شيمرون يدل على مدى تحكم سارة بزوجها بصورة شبه مطلقة.
وبحسب آرتسي، ينص الاتفاق على ما يلي:
منع نتنياهو من الخروج ليلاً من دون مرافقتها.
حقها في المشاركة في الجلسات السرية الحكومية على رغم أنها لا تمتلك تصنيفاً أمنياً يمكّنها من ذلك، وتكون مدعوة إلى المشاركة في الجلسات بصورة تلقائية، وهي تقرر إن كانت ستحضر أو لا.
حقها في الموافقة المكتوبة على تعيين رئيس هيئة الأركان ورئيسي جهازي "الموساد" و"شاباك".
إدارة الشؤون المالية لنتنياهو بصورة كاملة، فلا يحق له امتلاك بطاقة اعتماد ويحق لها ذلك، وعند حاجته إلى المال تقدم سارة له "مصروفه".
في حال انتهاك نتنياهو لهذه الشروط، ينص الاتفاق على أن تتحول أملاكه كافة إليها.
وأوضح آرتسي أن المحامي شيمرون عرض عليه الوثيقة لإظهار أهميته وقدراته كمحامٍ، خلال محاولة هذا الأخير إقناع آرتسي بالتوسط له لمنع إنهاء عقد عمله مع إحدى المؤسسات الكبرى.
ليست القضية الأولى!
ليست هذه القضية جديدة من ناحية تدخل وتحكم سارة في نتنياهو وحتى في شؤون الحكم، وفي توريطه بقضايا الفساد المتهم بها بالرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال.
أعاد الصحافي في "معاريف" بن كسبيت، المعروف بانتقاده وتركيزه على أسرة نتنياهو، التذكير بقضية تدخلات سارة في تعيين كبار المسؤولين في إسرائيل وباطلاعها على اللقاءات السرية.
ويشير كسبيت إلى حادثة استدعاء العميد غاي تسور بصورة عاجلة للقاء نتنياهو خلال حرب إسرائيل على قطاع غزة عام 2012، وعلى رغم الحرب، ذهب تسور إلى لقاء نتنياهو، في فترة كان يسعى فيها إلى تعيين السكرتير العسكري لرئيس الحكومة، وما إن بدأ اللقاء بينهما حتى دخلت سارة وهمست شيئاً في أذن نتنياهو، فاستأذن للخروج وأكملت سارة المقابلة مع تسور وسألته عن موقفه من خطة الانفصال عن قطاع غزة التي نفذها أرئيل شارون عام 2005.
وسألت سارة تسور بصورة استنكارية "كيف كان باستطاعتك أن تقوم بذلك؟". وبعد نصف ساعة عاد نتنياهو وجلس دقيقتين مع تسور وانتهت المقابلة، ولم يحظَ الأخير بالمنصب.
ويضيف كسبيت أن هذا السيناريو تكرر أربع مرات، إذ استُدعي أربعة ضباط كبار للقاء نتنياهو في مكتبه، ثم استُدعوا للقاء استكمالي في مقر سكن أسرة نتنياهو الحكومي، حيث كان يتم إبلاغ نتنياهو في بداية اللقاء بأن هناك مكالمة هاتفية مهمة يجب الرد عليها، وعند خروجه كانت تدخل سارة وتجري المقابلة مع المرشحين للمناصب الحكومية أو الأمنية.
تبط اسمها بعدد من القضايا المتعلقة باستغلال المال العام وتلقي الهدايا وانتهاك حقوق العمال وهي قضايا مثلت إلى التحقيق في عدد منها.
في المقابل، خاض رئيس الأركان السابق غادي آيزنكوت التجربة ذاتها عندما كان مرشحاً للمنصب، واتصل مذهولاً بوزير الدفاع آنذاك موشيه يعلون، وقال له "لم يكُن اللقاء مع نتنياهو، بل كان مع زوجته". وكردّ على ذلك، منع يعلون ضباط الجيش من لقاء نتنياهو في المسكن الحكومي وهم بالزي العسكري الرسمي. وتبين لاحقاً أن سارة نتنياهو كانت تسعى إلى تعيين شخص آخر في منصب رئيس الأركان، لكن يعلون رفض بشدة، مما أخر تعيين آيزنكوت ثلاثة أشهر.
داغان أغضب سارة!
ويشير كسبيت كذلك إلى دخول سارة إلى اجتماع بين نتنياهو ورئيس جهاز "الموساد" السابق مئير داغان، ويفترض أن يكون مثل هذا اللقاء في قمة السرية ولا يحضره سوى الحاصلين على تصنيف أمني رفيع، لكن سارة نتنياهو دخلت فجأة وانضمت إلى الجلسة، فتوقف داغان عن الحديث، فقال له نتنياهو "أكمل حديثك"، لكن داغان قال إنه "يفضل أن يكمل الحديث بعد أن تخرج السيدة (سارة)"، فقال له نتنياهو أن يكمل حديثه لأن سارة "شريكة أسراره".
لم يقتنع داغان بذلك وقال "لا أذكر أنها حصلت على تصنيف أمني"، فخرجت سارة من الغرفة غاضبة وطرقت الباب بشدة. ولاحقاً لم يتم استدعاء داغان إلى مقر سكن أسرة نتنياهو الحكومي أبداً، وجرت اللقاءات بينه ونتنياهو في مكتب رئيس الحكومة أو في مقر قيادة جهاز "الموساد".
ويشير بن كسبيت إلى أن كثيرين مثل داغان وُضعوا على قائمة الممنوعين من دخول مقر سكن أسرة نتنياهو الحكومي بقرار من سارة.
الاتفاق بعد خيانة نتنياهو
يقول بن كسبيت إنه أشار إلى الاتفاق بين سارة ونتنياهو في كتاب ألفه مع إيلان كفير عام 1997 بعنوان "نتنياهو، الطريق نحو القوة"، وإن الاتفاق أبرم بين الزوجين عام 1993 بعد خيانة نتنياهو لسارة مع مستشارته حين كان يخوض المعركة على زعامة حزب "الليكود". وسمحت سارة له بالعودة إلى المنزل بعد توقيع الاتفاق الذي مثلها فيه المحامي يعقوب نئمان، ومثّل نتنياهو المحامي دافيد شيمرون. لكن بن كسبيت قال إنه لم تتوافر لديه التفاصيل التي ذكرها آرتسي.
نتنياهو يكذّب الادعاءات
لاحقاً، شهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وزوجته سارة أمام المحكمة بأنه لا يوجد عقد سري بينهما يمنح شريكة رئيس الوزراء الحق في المشاركة في التعيينات السياسية والمهنية.
حضر نتنياهو وزوجته إلى محكمة الصلح في ريشون لتسيون كشاهدَين في دعوى تشهير رفعها ابن عم رئيس الوزراء الثاني ومحاميه السابق ديفيد شيمرون.
ورفع شيمرون دعوى قضائية ضد مسؤول سابق في صناعة الدفاع ورئيس معهد التصدير السابق ديفيد آرتسي الذي زعم أن شيمرون صاغ "اتفاقاً سرياً" من 15 صفحة في التسعينيات بين نتنياهو وزوجته.
ونفى شيمرون ونتنياهو الاتهامات، ورفع الأول دعوى التشهير ضد آرتسي بمبلغ 121 ألف دولار في مارس (آذار) 2021.
وقال نتنياهو إن زوجته ليس لديها إمكان الوصول إلى أسرار الدولة فحسب، بل إنها لا تعرف حتى ما كان يفعله أثناء خدمته العسكرية عندما كان عضواً في وحدة الكوموندوس النخبة "ساييرت ماتكال"، وأضاف عن العقد المزعوم "إنها كذبة كبيرة".
قرارات حساسة
ولفهم الآلية التي تتحكم بها سارة بقرارات حساسة في الحكومة الإسرائيلية، نقل موقع "فوربس إسرائيل"، ضمن تقرير صدر عام 2013، عن أحد المصادر التي عملت سابقاً بصورة قريبة جداً من عائلة نتنياهو، أن "سارة لا تشارك على نحو مباشر في اتخاذ القرارات الاقتصادية أو العسكرية أو السياسية. فهي لن تقرر أو تتدخل في القرارات المتعلقة برفع ضريبة القيمة المضافة أو مهاجمة إيران، لكنها بالتأكيد تشارك في اتخاذ القرار حول من هم الأشخاص الذين سيتخذون قرارات مهمة للغاية ومصيرية في بعض الأحيان".
وعاد اسم سارة نتنياهو أخيراً لتصدّر المشهد السياسي في البلاد، بعد تقارير لوسائل إعلام إسرائيلية أشارت فيها إلى مساعيها لإقالة المتحدث باسم الحكومة إيلون ليفي، وتصريحات أخرى انتقدت فيها أهالي الرهائن المحتجزين في غزة واتهامها لهم بمساعدة حركة "حماس".
وقال مصدر أمني إسرائيلي مقرب لـ"تلغراف" من الواضح أن "سارة نتنياهو تتمتع بمكانة فريدة في السياسة الإسرائيلية، إذ تعمل بوصفها أقرب مستشارة لرئيس الوزراء، مما يضعها في خط النار المباشر لسلسلة من التحركات السياسية المثيرة للجدل التي شهدت تظاهر مئات آلاف الإسرائيليين ضد رئيس الوزراء وائتلافه اليميني".
وأوضح المصدر الأمني الذي تحدث شرط عدم الكشف عن هويته أن "تأثيرها في القرارات السياسية يفوق تأثير أي زوجة رئيس وزراء سابق في تاريخ إسرائيل وحتى على نطاق عالمي".
مساعيها لإقالة المتحدث الرسمي
وبحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، سعت سارة نتنياهو إلى إقالة المتحدث الحكومي إيلون ليفي بسبب انتقاداته السابقة لبنيامين نتنياهو ومشاركته في الاحتجاجات ضد الإصلاح القضائي في إسرائيل خلال 2023.