xxxxxxxxxxxx xxxxxxxxxxxx

سامي ميخائيل وداعًا

سامي ميخائيل وداعًا

بقلم : محمد علي طه

وصفه صديقي الشّاعر روني سوميك بأنّه نخلة انتقلت من مدينة بغداد إلى مدينة حيفا، ولا أدري أيّة نخلة كان الأديب التّقدميّ سامي ميخائيل الذيآآ غادر الحياة ومدينة حيفا اللتين أحبّهما في الأوّل من نيسان 2024 بعد سبعة وتسعين عامًا قضاهم في الإبداع الأدبيّ وفي النّضال من أجل الحريّة والمساواة الاجتماعيّة، معاديًا للحرب والتّميّيز العنصريّ، شاهرًا سيفه من أجل حلّ سياسيّ تاريخيّ بين إسرائيل وبين الشّعب الفلسطينيّ، ولكنّني أحتفظ في مكتبتي بما وهبته هذه النّخلة الباسقة من روايات جميلة أبطالها عرب فلسطينيّون أعرفهم معرفة قويّة، وعرب عراقيّون عرفهم سامي في طفولته وشبابه، ويهود من بغداد وحيفا، من بلاد ما بين النّهرين ومن الجليل. وتحمل هذه الرّوايات عناوين لا تُنسى: بوق في الوادي، رعاية، حفنة ضباب، عايدة، فكتوريا، حمام في ترافلغار وغيرها.

آآ  آآ  وُلد كمال صالح منشه في بغداد لعائلة يهوديّة علمانيّة وانتسب في شبابه إلى الحزب الشّيوعيّ العراقيّ وعمل في صحافته وحينما شعر بخطر على حياته هرب إلى ايران وانتسب إلى حزب "توده" الشّيوعيّ، وبعد فترة شعر أنّ الايرانيّين سوف يسلّمونه للسلطات العراقيّة فهرب من ايران إلى حيفا وسكن في وادي النّسناس واختار اسمه الجديد "سامي ميخائيل" وانتسب إلى الحزب الشّيوعيّ الإسرائيليّ وكان اليهوديّ الوحيد في هيئة تحرير جريدة "الاتحاد" ويوقّع مقالاته السّياسيّة والأدبيّة باسم "سمير مارد"، وفي منتصف الخمسينات ترك الحزب الشّيوعيّ وبقي يحمل أفكاره، وعاش عدّة سنوات في بلدة معلوت ثمّ انتقل إلى مدينة حيفا وبقي فيها حتّى غادر الحياة الدّنيا.

آآ  آآ  يقول سامي في مقابلة صحفيّة: "وُلدتُ وترعرعتُ في دولة عربيّة، وكانت لغة أمّي عربيّة، وبعد رحلة في الطّائرة لعدّة ساعات، من طهران إلى حيفا، وجدتُ نفسي مع هويّة أخرى. أنا أنتمي إلى هنا. يراني العرب صهيونيًّا إسرائيليًّا بينما ينظر الإسرائيليّون إليّ أنّني جئت من هناك وأحمل تراث العدوّ ولغته وعاداته".

آآ  آآ  ما كان كمال صهيونيًّا ولم يكن سامي صهيونيًّا في يوم ما، وما كان والده صهيونيًّا أيضًا، وقد صوّر مأساة والده الذي عاش في بحبوحة في بغداد ولمّا أُرغم على الهجرة إلى الوطن الجديد شعر أنّه لاجئ وإنسانٌ محطّم. ويقول في مقابلة أخرى: شعرتُ في سنوات العشرين الأوائل في البلاد أنّني يهوديّ عربيّ هاجر من العراق إلى إسرائيل ولكنّني اليوم أحلم بالعبريّة وأغضب بالعبريّة وأعرّف نفسي بإسرائيليّ من أصل عراقيّ. أنا وطنيّ إسرائيليّ ولستُ صهيونيًّا وتغلغلت اللغة العبريّة في أذنيّ من خلال أولادي، والحقيقة أنّني تبنّيتُ ثقافة أولادي.

آآ  آآ  يختلف البطل العربيّ في رواياته عن الرّوايات العبريّة الأخرى ففي مقابلة له في صحيفة "معريف" (10-6-1977) يقول: "أنا أكتب عن العرب من الدّاخل ولستُ مراقبًا من الخارج" لأنّ سامي ميخائيل عاش مع العرب في البلاد وعرف معاناتهم وبدا ذلك واضحًا في رواياته، ويبدو إعجابه برواية "عائد إلى حيفا" للأديب الفلسطينيّ الكبير غسّان كنفاني الذي اختار أن يتتبّع خطوات بطلها خلدون الذي صار دوف في روايته "حمام في ترافلغار"، وترافلغار أو الطّرف الأغرّ هي ساحة في لندن. وأقول بصراحة أنّني كدتُ أتعرّف على ابطال روايته "رعاية" التي استوحاها من علاقاته ومعرفته بالشّعراء والأدباء والصّحافيّين في مدينة حيفا.

آآ  آآ  ترجم سامي ميخائيل ثلاثيّة نجيب محفوظ الشّهيرة واختار لها عنوانًا "بيت في القاهرة" وصدرت بين الأعوام 1981-1987 وأذكر أنّني اتفقت معه بعد معاهدة اوسلو أن نقيم معهدًا لترجمة الأدب الفلسطينيّ إلى العبريّة ونختار نماذج من الأدب العبريّ الإسرائيليّ لترجمتها إلى العربيّة وقد عرضتُ بإسمينا هذا المشروع على المرحوم الرّئيس الفلسطينيّ ياسر عرفات فرحّب به وتعهّد بتمويله إلا أنّ اقتحام ارئيل شارون إلى المسجد الأقصى وأحداث الانتفاضة الدّامية أجهضت مشروعنا. وأذكر أن سامي حينما شاهد الانفجارات في تلك الفترة في الشّوارع والسّيّارات ومئات القتلى والجرحى صرخ: أرجوكم اتركوا لي حيفا.

آآ  آآ  آآ كتب سامي ميخائيل قبل عشر سنوات وثلاثة أشهر (22-7-2014) في أثناء حرب إسرائيل على غزّة مقالًا في صحيفة "هآرتس" بعنوان "لن يستطيع جيش الدّفاع الإسرائيليّ أن يهزم حماس" وممّا جاء فيه: "تعلّمت من تجربتي أن كلّ حرب هي مرض. كما لا توجد أمراض مقدّسة لا توجد حروب مقدّسة أيضًا. إنّ حكم بنيامين نتنياهو السّيء ورفضه لمسيرة السّلام عزلت إسرائيل دوليًّا" وحذّر من مصائب الحرب إذا استمرّت وتنبّأ بأنّ الفاشيّ باروخ مرزيل سوف يفصّل بذلة للحكم.

وهذا ما حصل في أيّامنا فها هما بن غفير وسموطريتش صارا وزيرين كبيرين.

آآ  آآ  وتوقّع في المقال نفسه أنّ الحرب إذا ما استمرّت سوف تُهزم إسرائيل كدولة ديمقراطيّة وسوف يصعد إلى الحكم جنرالات اليمين وكتائبه.

آآ لو كان سامي في صحّة جيّدة منذ شنّت إسرائيل هذه الحرب الوحشيّة على الشّعب الفلسطينيّ في قطاع غزّة ماذا كان سيكتب؟

آآ  آآ  كان سامي ميخائيل في العقد الأخير رئيسًا لجمعيّة حقوق المواطن في إسرائيل وربطته علاقات وثيقة مع الأدباء العرب العراقيّين الذين يعيشون في الدّول الأوروبيّة منذ سنوات طويلة كما أنّه وقف مع مثقّفين يهود عراقيّين ضدّ الغزو الأمريكيّ للعراق.

آآ  آآ  زار سامي ميخائيل مدينة رام الله في العام 2017 واستضافه الرّئيس الفلسطينيّ أبو مازن محمود عبّاس في مكتبه في المقاطعة وقضى يومين في ضيافته وعبّر عن سروره بهذه الزّيارة وبهذا اللقاء التّاريخيّ وعن دعمه للشّعب العربيّ الفلسطينيّ وللحلّ السّلميّ وإقامة الدّولة الفلسطينيّة.

رحم الله سامي أديبًا روائيًّا ومحاربًا من أجل المساواة الاجتماعيّة والسّلام بين الشّعبين.

آآ 

في الصورة أدناه : سامي ميخائيل متحدثا في حفل إطلاق اسم توفيق طوبي على شارع في حيّه العريق في حيفا