دخلت حرب غزّة شهرها الخامس ومعها شهدت بنية القطاع التحتية دمارا مهولا ووصل أعداد الضحايا المدنيين لرقم هو الأعلى في تاريخ أيّ نزاعٍ من القرن الحادي والعشرين، لكن إسرائيل التي شنت حربها ردًّا على عمليّة السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر التي نفّذتها حماس مصمّمة على المضيّ فيما عزمت عليه: القضاء على الحركة.
في تصريح، تكرر مرار منذ بداية الحرب، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في السابع من شباط/ فبراير: "إننا في طريقنا إلى تحقيق النصر في القضاء على حماس، وإطلاق سراح الرهائن وتحقيق الوعد بأن غزّة لن تشكّل تهديدًا لإسرائيل بعد اليوم."
ولكن، هل من يمكن لإسرائيل فعلاً القضاء على حماس؟ أم أنها حدّدت لنفسها هدفًا عصيًّا على التحقيق؟
أشهر من الحرب أسفرت عن أكثر من 1200 قتيل إسرائيلي، وما يزيد عن 28 ألف قتيل فلسطيني، بحسب أرقام وزارة الصحة في غزة. وقد تزايدت المطالبات حول العالم بوقف إطلاق النار، بينما يستمرّ تصعيد النزاع مرفوقا مع مخاوف من اندلاع حرب أشمل في الشرق الأوسط.
في الوقت ذاته تتصاعد حدّة التوتّر بسبب الحملة العسكريّة الإسرائيليّة والحاجة الملحة إلى التوصّل لحلّ دائم "عن طريق مقاربة إقليميّة تتضمّن مسارًا نحو دولةٍ فلسطينيّة،" بحسب ما قال وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن.
ومع ذلك ظلّ نتنياهو رئيسُ وزراء إسرائيل يعصي علنا الولايات المتحدة الأمريكيّة.
إسرائيل، التي تواجه اتهامات في محكمة العدل الدولية بخرق القانون الدولي وارتكاب تطهير عرقي – وهو ما تراه "محرّفًا إلى حدّ بعيد" – عجزت حتى الآن عن إخماد تحرك حماس في غزة بعد أشهر من المواجهات، بالرغم من تفوّق قدراتها العسكريّة على قدرات حماس بكثير.
ويقول الجيش الإسرائيلي إنه قضى على ثلث مقاتلي حماس، التي يقدر جناحها العسكري بثلاثين ألف مقاتل، قبل السابع من تشرين أوّل/أكتوبر . ويقدِّرُ الجانب الإسرائيلي أيضًا أن ستّة عشر ألفًا من هؤلاء المقاتلين جُرِحوا، الأمر الذي قد يمثل ضربة قوية لقدرات حماس العسكرية.
ولكن تقديرات وكالات أمريكيّة تشير الى أن العددَ يقِلُّ عن ذلك إلى حدود 11700، والعديد منهم قد يعودون إلى ميادين القتال. غير أن هذه الأرقام لم تؤكّدها حماس.
وبحسب تقييم العقيد الإسرائيلي المتقاعد ميري آيسين، التي شغلت سابقًا منصب المستشار العسكري لرؤساء الوزراء من حزب الليكود، فإن العملية العسكرية نجحت في "قتِل عدد من قادة الميدان. كما عُثِر على مخابئ أسلحة. ولكن ذلك لا يعني أننا قضينا على الإرهابيّين كافّة" مضيفة بأن الجيش ينسف "بشكلٍ ممنهج شبكة أنفاق الإرهاب".
لكن بحسب محللين عسكريين "هذا ليس المقياس الأهم الذي ننظر إليه في هذا السياق" ويشكك جيريمي بيني، محرر شؤون الشرق الأوسط في مجلة "جينس ديفينس" الأسبوعية، في مدى الضّرر الذي ألحِق بحماس مضيفا أن الحركة "يمكنها تجنيد مقاتلين جدُد بسهولة" كما إن "شبكة الأنفاق أكبر بكثير مما كنّا نتوقّع."
هل الدعم لحركة حماس في تزايد؟
ورغم الثمن الهائل الذي يدفعه الفلسطينيون بعد أحداث أكتوبر، إلا أن التأييد لحركة حماس يبدو أنه يتصاعد وفقًا لاستطلاع الرأي الذي أُجري في الربع الأخير من العام الماضي، وشمل فلسطينيين في كلٍّ من الضفة الغربيّة و(قطاع) غزّة.
ويشيرُ الاستطلاع إلى أن تأييد حماس تضاعف في نهاية العام من 22% إلى 43% . ورغم أن ذلك يعبر عن أقل من نصف الفلسطينيين، إلا أنه يربو على تأييد حركة فتح التي تسيطر على مناطق في الضفة الغربيّة، والتي يأتي منها هذا الارتفاع في تأييد حماس.
كذلك يتفق 72% من المشاركين على تأييد حماس في قرار شنّ هجوم السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر. كما يشير الاستطلاع إلى دعم 63% للتحرك المسلح كأفضل السبل لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي. وغالبية هذه النسبة بدورها تأتي من مشاركي الضفة الغربيّة.
وبحسب الجهة المنظمة للاستطلاع فإن التأييد لحماس عادةً ما يرتفع خلال فترة الحرب أو بعدها مباشرة.
لكن بالنسبة للدكتور إبراهيم فرَيحات، الأكاديمي المناهض لإسرائيل، الفلسطينيون "يعيشون بلا أمل ولا مستقبل، وحماس منحتهم البديل المتمثّل بالمواجهة والثورة، وهو ما يقدّم لهم مقاربة مختلفة،" على حد تعبيره. مضيفاً "على هذا النحو تتمتّع حماس بالتأييد الأوسع، ليس في فلسطين وحسب، بل وفي العالمَين العربي والإسلامي أيضًا."
ولكن هناك أيضاً مَن لا يدعمون حماس.
ففي مطلع العام الحالي شارك مئات الناشطين الفلسطينيين في فعاليّة عن طريق الإنترنت ينتقدون حكمَ حماس لقطاع غزّة، الذي بدأ منذ فوز الحركة بالانتخابات ومن ثم سيطرتها كليا على القطاع عام 2007، حيث يعيش الناس في ظروف مزرية وسط ارتفاع حاد بنسبة البطالة إضافة للحصار الإسرائيلي الخانق منذ ذلك الحين.
لما يصعب على إسرائيل القضاء على حماس؟
لم يسبق أن كانت إسرائيل أكثر صراحةً في التعبير عن نواياها إزاء القضاء على حركة حماس، لكن التجارب السابقة تُظهِر مدى صعوبة ذلك.
فحماس " ليست مجرّد منظمة عسكريّة، ولا هي مجرّد حركة سياسية. إنها أيديولوجيا،" يقول هْيو لوفات "وتلك الأيديولوجيا عصيّة على الاجتثاث، خصوصًا بواسطة قوّة السلاح الإسرائيلي".
الرأي الذي يتقاطع مع تقييم الجندي الإسرائيلي السابق بنزي ساندرز الذي شارك في العملية العسكرية على قطاع غزة عام 2014 والتي يعتقد أنها "زادت من قوة حماس"، بخلاف تصريحات موشيه يعالون، وزير الدفاع الإسرائيلي حينها الذي قال أن "الضرر الذي أُلحِق بحماس عميق وغير مسبوق بشموليّته".
ويدرك بنزي أن عددًا من المدنيّين قُتِلَ في المنطقة التي كان متمركزًا فيها، "وتُرِكت بعدها أسائل نفسي عمّا حقّقته تلك الحرب؟ هل أصيبت حماس بالفعل؟ هل أدّت (الحرب) إلى إضعافها؟ هل كانت لتحول دون عودة حماس إلى تكرار ما قامت به" يتابع الجندي الإسرائيلي السابق "وما توصّلت إليه خلال السنوات التي تلت هو الإجابة بلا، لم تحقّق ذلك. ليس هذا فحسب، بل أصبحت حماس أقوى".
هل هناك حل بديل؟
وتدفع غالبية دول العالم فكرة أن اتفاق سلام من نوعٍ ما هو السبيل الوحيد نحو المستقبل، الفكرة التي يؤيدها هْيو لوفات بدوره مشيراً إلى أنه "إن أراد أحد أن يهمّش حماس ويضعفَها، فالسبيل الوحيد إلى ذلك هو التوصّل إلى مسارٍ سياسيّ حيويّ."
إلاّ أن إسرائيل، في ظل حكومتها الحالية، تبدو مصمّمة على منع قيام الدولة الفلسطينية وترفض أي مسار لا يؤدي إلى القضاء على حماس.
"عندما أنظر إلى اليوم التالي، أعتقد أن إسرائيل ستسيطر إلى حد كبير على استمرار الحملة للقضاء على قدرات حماس،" تقول ميري آيسين مضيفة بأن حماس "سيظهرون دائما شيئا ما، ولكن الجزء الأكبر منهم، والتهديد القائم، هذا ما سنكون قادرين على القضاء عليه".
ويرغب نتنياهو الذي يتزعّم الحكومة الأكثر يمينيّة في تاريخ إسرائيل، بالاحتفاظ بالسيطرة الأمنية في المدى المنظور، الأمر الذي عبر عنه بقوله "يجب أن تكون غزّة منزوعة السلاح وتحت السيطرة الأمنية الكاملة للدولة الإسرائيلية."
ويرقى الموقف، الذي يلقى دعم غالبيّة الوزراء والنواب في ائتلاف نتنياهو الحكومي، إلى مستوى الاحتلال التام طويل الأمد، بل ويطالب بعضُهم علانيةً بإقامة مستوطنات في غزّة.
لكن هذه الرؤية لمرحلة ما بعد الحرب لا تحظى بالدعم والتأييد الأمريكيين.
وفي أعقاب الضغوط التي تمارسها إدارة الرئيس بايدن للكشف عن خطة "اليوم التالي" للحرب، كشف وزير الدفاع يؤاف غالنت عن خطّة تستجيب للرغبة الأمريكية في تجنُّب الاستيطان المدني في غزّة. لكنّ المشكّكين بخطة غالنت يتساءلون عمّن يستطيع الإمساك بزمام الإدارة المدنيّة للفلسطينيين بعد حماس، فيما تحتفظ إسرائيل بحريّة الحركة وتنفيذ عمليّات عسكرية هناك.
ما لذي سيكون عليه وضع الحكم في غزّة بعد الحرب يبقى سؤالًا برسم الإجابة على غرار أفق التوصّل إلى اتفاق سلام دائم. لكن ما لم يتمّ التوصّل إلى وضع بديل عن الوضع القائم حاليًّا، يبقى الخطر الحقيقي محدقًا بمزيد من العنف مستقبلًا.