أعلن الجيش الإسرائيلي، الخميس، أن قواته تنفذ عملية في مجمع ناصر الطبي المحاصر في مدينة خان يونس بجنوب قطاع غزة، حيث يشتبه في وجود جثث لرهائن كانت حركة "حماس" تحتجزهم في المرفق الطبي الذي يؤكد أطباء ومسعفون أنه يواجه وضعاً "كارثياً".
توازياً، أعلن حزب الله، مساء الخميس، أنه أطلق "عشرات" الصواريخ على شمال إسرائيل، رداً على غارات استهدفت، أمس من أول الأربعاء، مناطق عدة في جنوب لبنان وأوقعت 15 قتيلاً على الأقل، بينهم 10 مدنيين، ما يثير خشية من اتساع نطاق التصعيد بين الطرفين على خلفية حرب غزة.
وبعد أيام من القتال في محيطه مع عناصر "حماس"، أكد الجيش الإسرائيلي الخميس أن قواته الخاصة دخلت مستشفى ناصر، وهو الأكبر في خان يونس، كبرى مدن جنوب القطاع. ويستقبل المستشفى آلاف المدنيين الفارين من الحرب الذين بدأ إجلاؤهم تحت القصف خلال الأيام الأخيرة.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه ينفذ "عملية دقيقة ومحدودة" في المستشفى، بعد حصوله على "معلومات استخباراتية موثوقة من عدد من المصادر، بما في ذلك من الرهائن المفرج عنهم، تشير إلى أن حماس احتجزت رهائن في مستشفى ناصر وأنه قد تكون هناك جثث لرهائننا فيه".
ولم يقدم الجيش أدلة على هذه الاتهامات أو يرد على الفور على أسئلة لوكالة الصحافة الفرنسية في شأن التاريخ الذي كان فيه هؤلاء الرهائن موجودين بمستشفى ناصر، وما إذا كان قد سبق للجيش أن حدد وجود رهائن بأحد مستشفيات القطاع.
ثكنة عسكرية
من جهتها، أفادت وزارة الصحة التابعة لحماس في القطاع بأن "الاحتلال الإسرائيلي يقتحم مستشفى ناصر ويحوله إلى ثكنة عسكرية" ويستهدف "مقر الإسعاف وخيام النازحين ويجرف المقابر الجماعية داخل مجمع ناصر الطبي".
وأظهرت لقطات فيديو متداولة على وسائل التواصل مسعفين يحاولون نقل مرضى من جناح العظام بالمستشفى إلى غرف آمنة بعد تعرضه لقصف.
منذ بدء هجومها البري في قطاع غزة، دهمت القوات الإسرائيلية المستشفيات بشكل متكرر، واتهمت "حماس" باستخدامها كمراكز قيادة وبنى تحتية عسكرية، وهو ما تنفيه الحركة.
وأفادت وزارة الصحة التابعة لـ"حماس" في غزة بسقوط 87 قتيلاً على الأقل في القطاع خلال الساعات الأخيرة، مضيفة أن قصفاً استهدف مستشفى ناصر خلف قتيلاً وعدداً من الجرحى.
وقالت منظمة أطباء بلا حدود، الخميس، إن معظم النازحين فروا خلال الأيام الأخيرة استجابة لأمر من الجيش بالإخلاء، ليجدوا أنفسهم "بلا مكان يذهبون إليه"، وهو "مشهد مروع" أصبح فيه القصف "جزءاً من الحياة اليومية".
وقالت جميلة زيدان (43 سنة) التي نزحت مع عائلتها من بلدة خزاعة "غادر زوجي وابني محمد، الأربعاء، مع آلاف آخرين، لكن لا أدري ما حل بهم، انقطع الاتصال بيننا". وأضافت زيدان التي بقيت مع بناتها الست في مستشفى ناصر "إننا خائفون. لم يعد لدينا طعام منذ أيام، ونشرب ماء ملوثة".
رفح الملاذ الأخير
وبعد مدينة خان يونس التي استحالت ساحة خراب، تؤكد إسرائيل أنها تعد لهجوم بري على مدينة رفح المكتظة التي أصبحت الملاذ الأخير لأكثر من مليون مدني فروا من القتال.
وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن العملية في رفح ضرورية للقضاء على المعقل الأخير لـ"حماس" في غزة، بعد الدمار الواسع الذي طال مختلف أنحاء شمال القطاع ووسطه.
وكتب نتنياهو على تليغرام "سنقاتل حتى النصر الكامل، وهو ما يشمل تحركاً قوياً في رفح، بعد السماح للسكان المدنيين بمغادرة مناطق القتال".
ويأتي إصرار نتنياهو على المضي في الاستعداد لعملية برية في رفح، رغم تحذيرات دولية واسعة من الكلفة الإنسانية الباهظة لهذا الهجوم، وفي وقت تتواصل المحادثات لمحاولة التوصل إلى هدنة تتيح إدخال مزيد من المساعدات وتبادل رهائن محتجزين في غزة بمعتقلين فلسطينيين لدى إسرائيل.
مخاوف دولية من اقتحام رفح
وقال رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك لنتنياهو الخميس إن التفاوض على هدنة إنسانية في قطاع غزة هو "أولوية فورية"، وفقا لداونينغ ستريت.
وتحدث سوناك هاتفياً مع نتنياهو و"أكد مجدداً أن الأولوية الفورية يجب أن تكون التفاوض على هدنة إنسانية للسماح بالإفراج الآمن عن الرهائن وتسهيل تسليم مزيد من المساعدات إلى غزة، بما يؤدي إلى وقف إطلاق نار دائم على المدى الطويل"، حسبما قال المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني.
وبعدما أبدت الولايات المتحدة، حليف إسرائيل الرئيس، معارضتها لشن هجوم على رفح بلا "ضمانات" موثوقة بشأن أمن المدنيين، حذرت أستراليا وكندا ونيوزيلندا الخميس إسرائيل من النتائج "الكارثية" لهجوم كهذا.
وحضت دول الكومنولث الثلاث في بيان حكومة نتنياهو "على عدم سلوك هذا المسار"، مؤكدة أن "نحو 1.5 مليون فلسطيني لجأوا إلى هذه المنطقة، ولا يوجد ببساطة أمام المدنيين أي مكان آخر يذهبون إليه".
وبحسب الأمم المتحدة، يتجمع نحو 1.4 مليون شخص، معظمهم نزحوا بسبب الحرب، في رفح التي تحولت إلى مخيم ضخم، وهي المدينة الكبيرة الوحيدة في القطاع التي لم يقدم الجيش الإسرائيلي حتى الآن على اجتياحها برياً.
وتعد رفح أيضاً نقطة الدخول الرئيسة للمساعدات من مصر التي تسيطر عليها إسرائيل. والمساعدات عبر هذا المنفذ غير كافية لتلبية حاجات السكان المهددين بمجاعة وأوبئة.
اندلعت الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) عقب هجوم غير مسبوق شنته حماس على جنوب إسرائيل أسفر عن مقتل أكثر من 1160 شخصاً، معظمهم مدنيون، حسب حصيلة أعدتها وكالة الصحافة الفرنسية تستند إلى أرقام رسمية إسرائيلية.
وردت إسرائيل بحملة قصف مركز أتبعتها بهجوم بري واسع في القطاع، أسفر عن مقتل 28663 شخصاً في قطاع غزة، غالبيتهم نساء وأطفال، حسب وزارة الصحة التابعة لحماس.
وأعلن كيبوتس نير عوز، الخميس، أن أحد سكانه قتل في هجوم حماس في 7 أكتوبر ونقلت جثته إلى غزة. وكشف الكيبوتس في بيان عن مقتل يائير يعقوب (59 سنة)، مؤكداً أن مقاتلي حماس نقلوا جثته إلى غزة وخطفوا شريكته واثنين من أبنائه الثلاثة.
الهدنة لا تزال ممكنة
واعتبر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الخميس، أن التوصل إلى اتفاق بشأن هدنة وإطلاق سراح رهائن "ما زال ممكناً". وقال بلينكن في تيرانا "نعمل على ذلك بشكل مكثف وأعتقد أنه ما زال ممكناً" التوصل إلى اتفاق.
أثارت حرب غزة مخاوف من اتساع نطاق التصعيد الى جبهات أخرى في المنطقة، خصوصاً بين حزب الله اللبناني وإسرائيل، والمناطق المقابلة لسواحل اليمن حيث ينفذ الحوثيون هجمات على سفن يقولون إنها مرتبطة بالدولة العبرية.
توتر على الحدود اللبنانية
وأعادت الحرب إشعال التوتر على حدود إسرائيل الشمالية مع لبنان التي تشهد تبادل إطلاق للقصف يومياً بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله حليف "حماس" المدعوم من إيران.
وشهدت المواجهة تصعيداً ملحوظاً، الأربعاء، إذ قتلت جندية إسرائيلية جراء سقوط صاروخ أطلق من جنوب لبنان، بينما شن الطيران الإسرائيلي سلسلة غارات على بلدات لبنانية أدت إلى مقتل 15 شخصاً. وكانت أعنف الضربات على مدينة النبطية وأدت إلى مقتل عشرة أشخاص، بحسب حصيلة جديدة الخميس.
وقال مصدر أمني إن سبعة مدنيين من عائلة واحدة قتلوا في الغارة، إضافة إلى ثلاثة عناصر من حزب الله كانوا موجودين في الطابق السفلي من المبنى.
وأكد الجيش الإسرائيلي أن القيادي في حزب الله علي محمد الدبس ونائبه ومقاتلاً ثالثاً، قتلوا ليل الأربعاء "في غارة جوية دقيقة نفذتها طائرة تابعة للجيش على منشأة عسكرية" في النبطية.
وأعلن حزب الله من جهته الخميس مقتل ثلاثة من عناصره، بينهم الدبس.
وأكد الحزب الخميس إطلاق عشرات الصواريخ على شمال إسرائيل "رداً" على الغارات الأخيرة، وتبنى استهداف مواقع في الجانب الإسرائيلي، بينما أفادت الوكالة الوطنية اللبنانية الرسمية بحصول قصف إسرائيلي طال مناطق في جنوب لبنان.
وقبالة سواحل اليمن، تبنى المتمردون اليمنيون الخميس هجوماً على "سفينة بريطانية"، بعدما أبلغت شركتا شحن عن انفجار قرب سفينة في المنطقة.
في الأثناء، تتواصل المفاوضات بوساطة قطرية ومصرية سعياً إلى هدنة بين إسرائيل و"حماس" لإطلاق رهائن.
محاولات لإرساء سلام دائم
وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن الولايات المتحدة تعمل مع حلفاء عرب على خطة لإرساء سلام دائم بين إسرائيل والفلسطينيين، تشمل وقف القتال وإطلاق الرهائن ووضع جدول زمني لإقامة دولة فلسطينية في نهاية المطاف.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين وعرب أن تنفيذ هذه الخطة سيبدأ بوقف للنار "يتوقع أن يستمر ستة أسابيع على الأقل" على أمل التوصل إلى اتفاق قبل 10 مارس (آذار) ، موعد بدء شهر رمضان.
إلا أن هذه الخطة ووجهت باستنكار من وزيرين إسرائيليين يمينيين متطرفين اعتبارا أن "دولة فلسطينية ستشكل تهديداً وجودياً لدولة إسرائيل".
وتقول إسرائيل إن 130 رهينة ما زالوا محتجزين في غزة، بينهم 29 يعتقد أنهم لقوا حتفهم، من أصل نحو 250 شخصا خطفوا في 7 أكتوبر.