“وجهة النظر السائدة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط هي أنه بينما تتولى إسرائيل القتال، فإن هذه حرب أمريكية، وفي الواقع إن القوة الناعمة للولايات المتحدة تعرضت لأضرار غير مسبوقة”.
هكذا لخصت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية جانبا بارزا من تداعيات عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، حيث قالت إن المشاعر باتت متأججة ضد الولايات المتحدة في المنطقة.
ولفتت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمه “الخليج الجديد”، إلى مقاطعة المنتجات والعلامات الأمريكية في دول المنطقة، ضمن ردود الفعل الشعبية الغاضبة من المذابح الإسرائيلية البشعة في غزة، وهو ما يعكس جانبا من غضب الجماهير في المنطقة ضد واشنطن، بسبب دعمها الأعمى لدولة الاحتلال خلال العدوان الحالي.
ففي مصر وبعض دول الخليج العربي، أصبحت منافذ “ستاربكس” و”ماكدونالدز”، التي كانت تعج بالحركة ذات يوم، فارغة بفضل مقاطعة العلامات التجارية الأمريكية.
وفي بيروت وتونس وعواصم عربية أخرى، سار المتظاهرون أمام البعثات الدبلوماسية الأمريكية، وأحرقوا في بعض الأحيان الأعلام الأمريكية، للتنفيس عن غضبهم من حصيلة الضحايا المذهلة في غزة.
غطاء دبلوماسي وأسلحة
ومن دون الغطاء الدبلوماسي والذخائر عالية التقنية التي توفرها الولايات المتحدة، فإن إسرائيل لن تكون قادرة على تنفيذ العملية الضخمة التي شنتها في غزة.
ويقول التقرير إنه في الدول العربية، حيث استمر التضامن مع القضية الفلسطينية لعقود من الزمن، يراقب الملايين القوة الوحيدة التي يرون أنها قوية بما يكفي لوقف إراقة الدماء في غزة، بدلاً من الدفاع عنها.
وتنقل الصحيفة عن نهى بكر، الأستاذة المشاركة في العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في القاهرة: “في لحظة مهمة للغاية من التاريخ، عندما تم وضع المبادئ على المحك، فقد خذلت العالم”.
ووصف محللون سياسيون في الشرق الأوسط دعم واشنطن للحرب الإسرائيلية بأنه موقف متهور لا يأخذ في الاعتبار الآثار الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية طويلة المدى لإبعاد منطقة حيث يشق المنافسون، وتحديدا الصين، خطوات أعمق.
والأهم من ذلك، كما يقولون، أن الحرب أطاحت بالولايات المتحدة من أسسها الأخلاقية العالية، حيث أصبحت محاضرات بايدن لروسيا حول حماية الحياة المدنية في أوكرانيا تتزامن الآن مع تصريحاته الأكثر صمتًا بينما تقصف إسرائيل المدارس والمستشفيات في غزة، كما يقول التقرير.
يأس وغضب ضد أمريكا
وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وفي المقاهي، وفي كل منشور إقليمي تقريبًا، يعبر العرب عن مزيج من اليأس والغضب تجاه رد الفعل الأمريكي تجاه معاناة الفلسطينيين.
وقد تعزز هذا الشعور، الثلاثاء الماضي، عندما أصدر البيت الأبيض بيانا بشأن صفقة إطلاق سراح الأسرى في غزة مقابل وقف القتال وإطلاق سراح بعض السجناء الفلسطينيين، حيث قال بايدن، في بيان: “أنا ممتن لأن هذه النفوس الشجاعة، التي تحملت محنة لا توصف، سيتم لم شملها مع عائلاتها بمجرد تنفيذ هذا الاتفاق بالكامل”.
ولم يذكر بايدن عدد الشهداء الفلسطينيين الذي يزيد عن 14 ألفا، من بينهم أكثر من 5000 طفل، وفقا لأحدث الأرقام الصادرة عن مسؤولي الصحة في غزة.
المقاطعة
وتشير “واشنطن بوست” إلى تزايد حملات المقاطعة للمنتجات والعلامات الأمريكية في دول عربية وإسلامية، حيث تم تدشين حملات لمقاطعة تلك المنتجات، بل واعتبر كثيرون أن من لا يزال يشتريها أو يتعامل مع تلك العلامات “خائن لدماء الفلسطينيين”.
وتحظى مقاطع الفيديو المؤيدة للمقاطعة بالآلاف، وأحيانًا الملايين، من المشاهدات على YouTube وTikTok مع رسائل مفادها أن الشراء من العلامات التجارية الأمريكية الكبرى يرقى إلى مستوى التواطؤ في قتل الفلسطينيين.
وفي أحد مقاطع الفيديو، يتحول الكاتشب إلى دم عندما يقوم رجل بوضعه على بطاطس “ماكدونالدز” المقلية.
وفي صورة أخرى، يتحول كوب “ستاربكس” باللونين الأخضر والأبيض إلى اللون القرمزي بينما يتحول شعار حورية البحر الشهير إلى هيكل عظمي.
وعادة، تتم إضافة العلامات التجارية إلى القائمة، بسبب إصدارها بيانات مؤيدة لإسرائيل أو بسبب فكرة فرض ضريبة على الأرباح وبالتالي تمويل الأسلحة الأمريكية المرسلة لتعزيز ترسانة جيش الاحتلال.
ووصلت الأمور في مصر، إلى أن مطاعم “ماكدونالدز” باتت تعرض الآن العلمين الفلسطيني والمصري على واجهاتها، مع تعهدات بالتبرع لغزة، وعلى الرغم من ذلك، لا تزال تلك المطاعم فارغة، كما يقول التقرير.
انهيار صورة أمريكا
ويلفت التقرير إلى أن صورة الولايات المتحدة التي كانت مترسخة لدى قطاع واسع من الشباب العربي، كمجتمع منفتح وديمقراطي، تلاشت بعد دعمها لمذابح إسرائيل في غزة.
وتضرب “واشنطن بوست” مثالا بالطالب العراقي فراس علي، وهو طالب علوم كمبيوتر يبلغ من العمر 22 عاماً، حيث قال إنه نشأ وهو معجب بالولايات المتحدة على الرغم من الاستياء في بغداد بسبب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، وتعلم اللغة الإنجليزية جزئياً من خلال أفلام هوليوود، مقلداً اللهجة الأمريكية ومؤمناً بـ”القيم الأمريكية”، مثل “حقوق الإنسان وحرية التعبير”.
وقال علي إن الالتحاق بالجامعة الأمريكية كان جزءًا من حلمه بالعيش في الولايات المتحدة في نهاية المطاف.
لكنه أكد أن هذه الخطة تبخرت عندما شاهد إسرائيل تقتل عائلات وتقصف المستشفيات “بدعم مباشر من الأمة التي طالما أعجبت بها”، على حد قوله.
وتابع:: بالنسبة لي، كانوا أبطالا ومن يقف ضدهم فهو إرهابي.. لقد تغير كل هذا بعد 7 أكتوبر”.
لا خطوط حمراء
ويقول محمد عبيد، المحلل السياسي المقيم في بيروت والمقرب من “حزب الله”، إن الولايات المتحدة أصبحت طرفاً في الصراع منذ البداية، من خلال إرسال سفن حربية لدعم إسرائيل قبل إرسال سياسيين أو دبلوماسيين. لقد قاموا بالفعل بتوسيع الحرب.
وأعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أنه صدرت أوامر لمجموعة هجومية من حاملات الطائرات بالتوجه إلى شرق البحر الأبيض المتوسط بعد يوم من هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.
ووصل وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى إسرائيل بعد أربعة أيام.
وقال عبيد: “قبل إرسال دبلوماسيين لإيجاد حل سياسي، أرسلوا سفنهم الحربية وأسلحتهم وهددوا بالرد.. لذلك فقد شاركوا في هذه الحرب من أجل إسرائيل، وليس من أجل الولايات المتحدة”.
ولا يزال تصريح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي بأننا “لا نرسم خطوطاً حمراء لإسرائيل” يعاد بثه إلى حد الغثيان على وسائل الإعلام الإخبارية الناطقة باللغة العربية.
تصريحات بايدن
وقال المحللون إن الدعم المفتوح لإسرائيل ليس بالأمر الجديد، لكن البعض فوجئوا بما يعتبرونه خطابًا مناهضًا للفلسطينيين صادرًا عن الرئيس جو بايدن نفسه، إلى جانب رفض قبول أي انتقادات بأن رد إسرائيل يرقى إلى مستوى العقاب الجماعي.
وتعرض بايدن للسخرية والغضب في الشرق الأوسط بسبب تعبيره عن شكوك حول عدد الضحايا الفلسطينيين لأن وزارة الصحة في غزة، كما نشر بايدن مرارًا وتكرارًا نقطة حديث للحكومة الإسرائيلية حول قيام حماس بقطع رؤوس الأطفال – وهو ادعاء محدد يفتقر إلى أدلة واضحة.
جماعات مسلحة
ووفقا للصحيفة، هناك مخاوف أخرى تتمثل في أن موقف بايدن يشجع الجماعات المسلحة، التي هاجمت بالفعل أهدافًا أمريكية في العراق وسوريا، ويهدد استقرار بعض الحلفاء العرب الأكثر موثوقية للحكومة الأمريكية.
ويضيف التقرير: “إن دولا مثل الأردن ومصر والمملكة العربية السعودية جميعها محاصرة بين حماية مصالحها المشتركة مع الولايات المتحدة وبين الغضب الشعبي الذي يتصاعد مع كل يوم جديد من الأطفال الملطخين بالدماء والمدارس التي دمرت”.
التطبيع على المحك
وبالتبعية، فإن مسار التطبيع بين دول خليجية وإسرائيل، لا سيما السعودية، بات على المحك، بعدما كان انعكاسا للتحركات الأمريكية في المنطقة.
وبدلا من ذلك، شهدت المنطقة توجه وفد من وزراء الخارجية العرب إلى الصين هذا الأسبوع لإجراء محادثات حول كيفية حل أزمة غزة.