xxxxxxxxxxxx xxxxxxxxxxxx

في "الوطنية والمواطنة"

في

بقلم : عبد اللطيف حصري

في بحثه الجاد والمتميز "الوطنية والمواطنة"، قدم النائب أيمن عودة رؤيا لتجديد المشروع السياسي للفلسطينيين في إسرائيل، في اعتقادي غاية بالأهمية حيث تخلفت الأحزاب السياسية أو بالأحرى توجست من الخوض في تجديد برامجها ورؤيتها لمستقبل العمل السياسي ومستقبل الجماهير العربية في إسرائيل.
سأتوقف عند مفصلين هامين في بحث النائب عودة، بداية في مسألة الشراكة اليهودية العربية، وثم في مسألة المصارعة على المتابعة.
كتب بليخانوف في عام 1902، ونحو انعقاد مؤتمر حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي في روسيا عام 1903 ، في العدد 4 من مجلة زاريا (الفجر) على الصفحة 135 ما يلي: "إن مبدأ حق تقرير المصير الوارد في البرنامج والذي كان غير إجباري بالنسبة إلى الاشتراكيين البرجوازيين، إلا انه إجباري بالنسبة للاشتراكيين الديمقراطيين. فلو أهملناه وخشينا الإفصاح عنه خوفا من صدم الأوهام القومية لدى مواطنينا من أبناء القبيلة الروسية، لكان نداء: يا عمال العالم اتحدوا، نفاقا مخجلا في أفواهنا". ولو قيض لي الإشارة إلى الجذور المعرفية لوهن وأزمة اليسار الإسرائيلي، لأشرت إلى تلك المقالة والى الجملة المقتبسة أعلاه بالذات. واعتقد أن الخوف من صدم الأوهام القومية لدى أبناء القبيلة اليهودية، ومحاولة خلق بدائل "نضالية" أخف وطأة من القضايا الجوهرية والمفصلية، هي التعبير المركز لازمة اليسار، ولا أعنى هنا ما يسمى اليسار الصهيوني فقط، وإنما بعض فئات اليسار غير الصهيوني أو حتى الماركسي المعادي للصهيونية.
قد يدعي البعض أن مجرد الاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، كاف لدحض هذا الرأي، لكن في الحقيقة ليس هذا نقاشي وليس في ذلك تكمن الأزمة، وإنما تكمن الأزمة في خلق الانطباع الزائف وكأن حل المسالة السيادية على بضعة كانتونات في مناطق احتلال 1967 كفيلة بحل المسالة القومية، بمعزل عن ضرورة تفكيك المشروع الاستيطاني حتى آخر مستوطن وآخر حجر في بناء المستوطنات، وبمعزل عن تفكيك نظام الأبرتهايد الصهيوني، وبمعزل عن مكانة الأقلية القومية العربية في إسرائيل، واعني بمكانتها: حقوقها القومية والمدنية والتاريخية كمجموعة سكانية أصلانية، وليس كأخرى مجموعة مضطهدة، وانما مجموعة تملك كامل الحق بالمساواة القومية والمدنية.
وإذا ما عدنا بالتاريخ الى مسألة الحذر من صدم أوهام القبيلة اليهودية، سنقف عند عملية القفز عن قرار التقسيم والقبول بنتائج حرب 1948 كحدود ما يسمى ظلما وعدوانا "حدود الشرعية الدولية"، وما تلا ذلك من محاولات التكيف مع تمدد المشروع الصهيوني من خلال اتفاقات أوسلو، ومسخ طموحات التحرر الوطني الفلسطيني ببضعة معازل عرقية في الضفة الغربية وغزة، وحتى محاولات التكيف مع قانون القومية، وهو القانون المؤسس لنظام الفصل العنصري بموجب التشريع وليس فقط الممارسة.آ 
اتفق مع الادعاء أن التغيير يأتي عبر مخاطبة المجتمع اليهودي، وأكثر من ذلك اعتقد أن أحد أشكال الأزمة هي عدم مخاطبة المجتمع اليهودي، لكن بين المخاطبة والخطاب يجب أن يكون الوضوح، وبين الوردي والأخضر والأحمر يجب أن يكون الأحمر، فالسؤال هو بأي خطاب نخاطب المجتمع اليهودي؟؟ ...آ  والنقاش ليس حول المخاطبة وإنما حول جوهر الخطاب، وكل من يدعي خلاف ذلك عليه أولا أن يتحرر من سيكولوجية النعامة، فتاريخيا كلفنا هذا النقاش انقساما في عام 1965، وليس سرا أن الانحراف الصهيوني لمجموعة ميكونيس وسنيه في جوهره إقصاء مركزية المسالة القومية ومراعاة الأوهام القومية القبلية اليهودية، وليس غريبا ما نلحظه اليوم في مظاهرات الاحتجاج على الانقلاب القضائي، ففي جوهرها تسعى الى صيانة "ديمقراطيتها العرقية" والحفاظ على إسرائيل البيضاء، ولا تقبل بمركزية المسألة القومية باعتبارها المحفز الأكبر لانزياح وانزلاق إسرائيل نحو الفاشية المطلقة.
وفي المفصل الآخر المصارعة على المتابعة. في واقع الأمر برزت مسألة لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية كمركب أساس في بعض المداخلات التلخيصية للانتخابات البرلمانية الأخيرة، سأتوقف عند نموذجين للدعوة لانتخاب لجنة المتابعة انتخابا مباشرا، نموذج لرؤية شخصية وهي بالتأكيد رؤية لمجموعة من الناشطين والمثقفين، كما قدمها رئيس جمعية مساواة، جعفر فرح. والنموذج الثاني وهو أقرب الى أجندة لعدد من الأحزاب، منها الممثلة برلمانيا مثل التجمع، ومنها من يدعو الى المقاطعة مثل الإسلامية الشمالية وأبناء البلد، كما جاء في تلخيص توفيق محمد من الحركة الإسلامية.آ 
يقول جعفر فرح: "علينا ان نتخذ قرار حول تمثيل جماهيرنا من خلال تحويل لجنة المتابعة إلى هيئة تمثيلية منتخبة تحصل على شرعية الناس للتمثيل الوحدوي على المستوى الفلسطيني والعالمي والبرلماني".
ويقول توفيق محمد: "لا بد من التفكير في البديل الأنسب لهذه الانتخابات وهو الانتخاب المباشر من قبل الجماهير العربية للجنة المتابعة العليا للجماهير العربية".
قد تبدو المقترحات منسجمة تماما مع حق الأقلية العربية الفلسطينية المشروع داخل إسرائيل، بإدارة شؤونها، وليس نقاشي مع هذا الحق، ولا أنتقص من حقنا بإدارة ذاتية الى حد الانفصال التام. وقد تبدو اقتراحات راديكالية في ظاهرها، لكنها في الجوهر لا ترقى الى مستوى المطالبة بالانفصال، ولا تطرح بديلا منفصلا عن سياق المشهد السياسي الإسرائيلي، وكل ما تصبو اليه هو توليفة جديدة لوجوه جديدة، تستبدل حالة التوافق بين الأحزاب الفاعلة في الوسط العربي وتراعي أحجامها وتأثيرها الشعبي، بحالة تناحر أشبه بالصراع على السلطات المحلية العربية. ولا تحمل اية ضمانات لعدم شرعنة عشرات ألاف الأصوات للأحزاب الصهيونية، والتي ستكون جزءا من المشهد، وكل تحالف لهذه الأصوات الصهيونية مع العائلية والطائفية بمفهومها الرجعي، سيقود الى مشهد أقرب الى روابط القرى منه الى هيئة تمثيلية للجماهير العربية، والأسوأ انها لا تحمل أي ضمانة لقطع الطريق على شرعنة ومأسسة تيار الأكل مع الذئب والبكاء مع الراعي، وأعني تيار استبدال الهم الوطني بالهم اليومي كما تقدمه الإسلامية الجنوبية.