الموت أسمى أمانينا، شعار ونهج لا يحكم فقط المؤمنين به بل المجتمع الذي يسود فيه هذا الشعار وهذه الثقافة، هذا المجتمع، الذي قد يعارض هذا الشعار لفظيًا، لكنه في الثقافة والممارسة يشجع ويقدس حاملي هذا الشعار وينظر الى حامليه كأمثلة ورموزا للبطولة والتضحية.
قد يكون سبب سيادة هذه الثقافة التعبئة الفصائلية والحزبية لها، وتحريض الاعضاء والمجتمع عليها، واستخدام الدين للترغيب بها، دون ربطها بتحقيق الاهداف. هذا إضافة، إلى طول الاحتلال وتفاقم إجراءاته القمعية والتعسفية، والوضع المزري الي يعيشه الشعب. كل هذا، إضافة إلى القدرية السائدة، يدفع كثيرا من أبناء الشعب خاصة الشباب للنظر للحروب والموت كوسيلة للخلاص، أي شكل من أشكال الخلاص، رغم يقين الجميع بعدم المقدرة على هزيمة العدو وتحقيق النصر لمعرفتهم الاكيدة بموازين القوى.
السؤال، هل يجوز أن يكون هذا الشعار والثقافة، أي الموت والشهادة، هو الناظم لحياة المناضلين والمجتمع الذي يناضل من اجل تحقيق حقوقه الوطنية والاجتماعية.
قد يفهم من هذا الكلام دعوة للخوف والتراجع ورفض التضحية بالروح من أجل اهدافنا، الوطنية أو الاجتماعية.
فلو كان الموت هو الهدف الأسمى للجيوش والمقاتلين لما استعدت الجيوش وتدربت ووضعت الخطط التي تساعدها على حماية جنودها وتحقيق النصر على عدوها.
ولما اعتمدت هذه الجيوش الفر كأحد الأساليب الهامة للتراجع أمام العدو حين تنقلب كفة الميزان إلى مصلحته، فالفر وسيلة لحماية الذات واعادة التقييم ووضع الخطط من أجل الكر/الهجوم مرة أخرى وتحقيق الظفر على العدو.
من هنا فإن اضراب الأسرى عن الطعام كوسيلة نضالية اختطها الأسرى طيلة تاريخهم النضالي المجيد، لا يهدف هذا الأسلوب النضالي إلى الموت ولا يسعى اليه، لكنه يهدف إلى تحقيق أهداف الأسرى الخاصة بهم أو الاهداف الوطنية العامة لشعبهم.
لذلك يجب أن يكون اضراب الأسرى متفق عليه بصورة جماعية أو بصورة عامة، ومخطط له مسبقا، ومحدد بزمن أو هدف، يتم إطالة مدة هذا الإضراب أو تقصير مدته وحتى وقفه والتراجع عنه وفقا لرؤية قادة الإضراب وواقع السجن والمضربين.....
أن واحد من أهم محددات هذا الإضراب لكي ينتصر ويتواصل ويؤهل مناضلين آخرين مستقبلا الولوج في هذا الطريق ومواصلة اعتماده كوسيلة نضالية فعالة هو الحفاظ على صحة الأسرى وحياتهم وعدم تعريضهم للخطر والموت المجاني
فكلما طالت حياة المناضل كلما استطاع أن يحقق أهدافه وأهداف شعبه، حياة المناضل، وليس الموت، هي المقدسة والحفاظ عليها أسمى أمانينا واحد اهدافنا
حياة المناضل ليست ملكا خاصا به ونضاله ليس وسيلة للخلاص الفردي وتحقيق الرغبات الذاتية مهما كانت مشروعة ومقدسة ومهما كان شكل أو هدف هذا الخلاص الفردي....
هذا نضال شعب يحكمه هدف الشعب الذي يسعى للخلاص من كل أشكال الاحتلال وتحقيق أهدافه في مختلف القضايا الرئيسية، الحرية والاستقلال، الأسرى، المستوطنات، القدس، العودة.....
مرة أخرى نؤكد ان هذه ليست دعوة للخوف أو تبخيس الشهادة، لا سمح الله، فالشعب الفلسطيني لم يتوقف يوما ولن يتوقف عن بذل الأرواح والدماء من أجل تحقيق أهدافه الوطنية، لكنها دعوة للحفاظ على حياة المناضل لتكون الشهادة جزءا من هذه الحياة ووسيلة لتحقيق الاهداف لا نسعى إليها ولكن قد تتحقق في مسار الحياة النضالية، الشهادة ليست هدفا بحد ذاته.
هذه الثقافة التي يجب أن تسود بين الأجيال القادمة حتى لا نتحول إلى اموات وقرابين دون أن نحقق أهداف شعبنا في الحرية والاستقلال.
حفظ الله الأسرى وفك قيدهم ورحم الشهداء وحمى شعبنا من الحروب، لا للحرب.