تسبب مسلسل "ود المك"؛ الذي يعرض في شهر رمضان عبر قناتين محليتين ويتوفر أيضًا على منصة "يوتيوب"، موجة من الغضب والجدل في السودان وصلت حد البدء بحملة للتبليغ على صفحة منتج المسلسل التي تبث الحلقات توطئة لإغلاقها.
وفي المقابل حصد المسلسل ثناء واسعًا على المنصات ذاتها كونه تطرق بجرأة غير مسبوقة لقضايا الفساد وعمل على تعرية قدسية مفروضة بغير وجه حق على المرشد الديني أو إمام المسجد باعتباره حالة موجودة ومشاهدة على الواقع لكنها لا تشمل الكل بطبيعة الحال.
وتمثل شخصية رجل الدين "الرفاعي" المحور الأساسي لحملات النقد الكثيفة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي وصلت حد المطالبة بإيقاف المسلسل.
ويجسد الممثل صلاح أحمد شخصية رجل الدين "شيخ الرفاعي" الذي يعمد للتشهير بجيرانه عند اعتلاء منبر الخطبة، كما يتسم بالبخل الشديد، علاوة على أنه فاسد ويقبل الرشوة، ولا يتورع عن ضرب آل بيته ويتعامل بعصبية شديدة.
ويناقش هذا المسلسل حزمة من القضايا الاجتماعية المسكوت عنها، بجانب مسائل سياسية. ويرى المنتقدون أن المسلسل يرسم صورة شائنة لإمام مسجد، ولم يسلم "ود المك" من نقد متخصصين ومشاهدين.
ويرفض صلاح أحمد الذي جسد شخصية "الرفاعي" المثيرة للجدل الاتهامات بالإساءة لرجال الدين، ويؤكد أن العمل يتحدث عن الفساد في المجتمع بصورة عامة من خلال تجسيد شخصيات مختلفة.
ونوه "صلاح" في تصريحات صحفية إلى أن المسلسل يقدم نماذج متباينة، بينها شخصية رجل دين فاسد، يتوسّل بالدين لأغراض دنيوية.
ويشدد أن المسلسل حظي بنسبة قبول فاقت 98%، وتجاوز عدد مشاهدات الحلقات الست الأولى 10 ملايين مشاهدة.
وبيّن: "وهو ما يعكس الصدى الواسع الذي حققه هذا العمل بملامسته واقعا يعيشه الغالبية من الناس ويدركون كذلك صدق تجسيد الشخصيات المختلفة فيه".
ويتابع: "رجل الدين ليس استثناء من فساد بقية شرائح المجتمع الذي يضم الصالح والطالح، فشخصية إمام المسجد الفاسد موجودة بدلائل وقرائن عديدة ومشهودة، لم يفعل ود المك سوى أن عكسها في قالب درامي لم يعتد عليه الناس في السودان".
ويضيف: "نحن لم نستهدف رجال الدين أو الدين في المسلسل، وإذا صبر الناقدون لبقية الحلقات يمكنهم رؤية المعالجات المطروحة لعديد من القضايا في هذا العمل".
وأوضح أن أغلب الآراء الرافضة والمحرضة ضد المسلسل انطباعية، لم يكلف أصحابها أنفسهم بمتابعة الحلقات التي تتضمن في داخلها رفضا لمسلك شيخ الرفاعي، وتعكس عدم قبول الأهالي لتصرفاته.
في المقابل يرى السيناريست يوسف عمارة أبو سن أن شخصية الرفاعي في المسلسل تمثل "ضربة موجعة لأي مسلمات أخلاقية في المجتمع السوداني الهش ضعيف المناعة الثقافية، والذي يسهل قيادته".
ويقول أبو سن، إن مؤلف النص استهدف قتل الصورة الإيجابية لرجل الدين المحافظ والمسلم الملتزم بتقديمه في خانة الضلالي وعاشق النساء والبخيل والمترصد لأحوال الناس.
ويرى أن الممثل صلاح أحمد "تمكن من تجسيد الشخصية بطريقة جيدة جدا، لكن المشكلة ليست في الأداء إنما في بناء الشخصية نفسها وغياب المنطق في الأحداث والحشد البائس للسوءات والمثالب الشخصية منذ بداية المسلسل".
وأردف: "لم يترك الكاتب مذمة إلا وأدرجها في قائمة مساوئ شيخ الرفاعي بلا تدريج ولا تصاعد درامي في اكتشاف تلك الجوانب السلبية، الأمر الذي يوحي بأن الكاتب يكتب أحداث المسلسل أثناء التصوير أو عبر الخواطر".
بدوره يرى هيثم الأمين مؤلف ومخرج "ود المك" أن الحملة ضد المسلسل تتكاثف دون معرفة خيوط المسلسل ومساراته.
ويقول إنه توقع أن يثير ردود أفعال لتناوله قضايا في حكم المسكوت عنه، لكنه لم يتوقع أن يكون الأمر بكل هذه الشراسة.
ويؤكد أن الهدف لم يكن بأي حال الإساءة للإسلام أو لرجال الدين إنما تسليط الضوء على قضايا لا يتم طرقها وتسبب أضرارا جسيمة في المجتمع.
ويتناول المسلسل، كما يقول الأمين، جانبًا من سوء وجوه مجتمعية مختلفة، كذلك يطرق على الباب السياسي بالتعرض لانفصال جنوب السودان.
ويتحدث المؤلف عن أن شخصية الرفاعي في المسلسل تقدم صورة الرجل الضال الذي يستغل الدين والمريض سلوكيًا، وفي مقابله تبرز شخصية الشيخ حسن الملتزم دينيًا ليكون "رفاعي" مجرد حالة موجودة بالفعل في المجتمع.
ويعتقد أن السهام الموجهة ضد المسلسل تهدف لإيقاف بثه، رغم أنه لم يبدأ حتى الآن في عرض الفكرة الرئيسية التي ترمي لطرح وجهتي نظر، من خلال شرح الأسباب التي ستدفع بود المك للتمرد وحمل السلاح ضد الدولة.