"وما كنّا، نعلم من قبل، أنّ في شرقي الأردن مكان باسم الجفر. ولم نعلم بهذا المكان الّا بعد ان هتفت الجماهيرآ المتظاهرة في عمان :" اطلقوا من معتقل الجفر سراح قائد الحزب الشيوعي الأردني فؤاد نصار". هذا ما جاء ضمن مقالة نشرتها "الاتحاد" بتاريخ ٢٩ كانون الثاني يناير ١٩٥٤، للكاتب والقائد إميل حبيبي بعنوان"الاستكشافات الجغرافية للينينية"وهي جزء من كلمة له القاها في المهرجان الذي عقد بمدينة يافا ( اين نحن اليوم من ذلك!!)في ٢٣ من الشهر ذاته بمناسبة مرور خمس سنوات على انتفاضة الشعب العراقي ضد الاستعمار وأجرائه.. وأنا شخصيًا سمعت لأول مرة بسجن الجفر الصحراوي من خلال أغنيات الشيوعيين والتقدميين الفلسطينيين والأردنيين الذين كانوا في كل مناسبة وطنية ينشدون أهزوجة تقول " يمّا مواسير الميّ تحت الأرض مدّوها //يمّا شباب فلسطين ( والأردن كذلك) على الجفر ودّوها".آ
وقد تسنى لي هذا الأسبوع قراءة كتاب " فؤاد نصّار ، القائد الإنسان" من إعداد وتحرير الكاتب المقدسي محمود شقير، ومن إصدارات الناشرآ الصديق والأخ صالح عباسي ودار نشره "مكتبة كل شيء " الحيفاوية. ووجدتها مناسبةً للعودة الى الكتاب الأول الذي صدر عن حياة القائد الشيوعي الفلسطيني النصراوي، فؤاد نصار وهو كتاب " فؤاد نصار ، الرجل والقضية " الذي صدر في الذكرى الأولى لرحيله، عن سلسلة" الثقافة الشعب" كما دفعتني الحِمية الى مراجعة ماكتبه فؤاد نصار " ابو خالد"وما كُتب عنه في جريدة "الإتحاد" عبر سنوات نضاله الطويلة، وهو الذي كان أحد محرريها في سنواتها الأولى ورئس تحريرها لفترة من الزمن، وهو الذي كان أحد قادة "عصبة التحرر الوطني الفلسطيني" وسكرتيرها ايضًا في مرحلةٍ ما، وهو مؤسس الحزب الشيوعي الأردني الذي جمع الشيوعيين الفلسطينيين من أعضاء العصبة الذين قذفتهم النكبة إلى المناطق التي ضمتها أمارة شرق الأردن، مع رفاقهم من أعضاء الحلقات الماركسية في شرقي الأردن.آ
ووجدتني وأنا اتابع فؤاد نصار ، اقرأ تقارير صحفية على درجةٍ عاليةٍ من المهنية والتميّز اللغوي لصحفي متمرس في نقل الحقيقة الميدانية كما هي في الواقع. وتجد الأخبار محرّرة بلغةٍ صحفية راقية محفزّة للقارئ ودافعة ومعبِّئة. والمفاجئ ان تقرأ في المقالات موقفًا ماركسيًا لينينيًا معاصرًا للحدث الفلسطيني والعربي وحتى العالمي ومبنيًّا على النهج الديالكتيكي الموجِّه. وكان من بين المقالات التي شدّت اهتمامي مقالة في مواجهة" بدعة الصهيونية الجديدة" وأخرى عن " ما هي طريقة الخروج من العقدة الفلسطينية؟ وهل قضية بيوع الاراضي هي القضية الرئيسية؟" ومقالة- دراسة حول"موقف البرجوازية الوطنية من التقدم الاجتماعي". كل ذلك والحديث هو عن شخص فلسطيني عادي لم يدرس في معاهد عليا او جامعات او ثانويات او حتى انهى ابتدائية، بل ترك مقاعد الدراسة في الصف الرابع الإبتدائي والتحق بعدها بمدرسة الحياة النضالية لشعبه في مواجهة الإستعمار البريطاني لبلده واحتلال أرضه ومن ثم تهجير شعبه. فتمرّس في كل اساليب النضال السياسي الشعبي والنقابي والعسكري ، فشارك في الثورة المسلحة عام ٣٦ حتى ٣٩، وقاد فصيلًا مسلحًا في منطقة الخليل. بعد فشل الثورة ترك فؤاد نصار الب
لاد متوجهًا الى العراق وعبر دورةً عسكريةً هناك وتعرف على قادة الحزب الشيوعي العراقي ، وعاد الى فلسطين سنة ١٩٤٢ واعاد اتصالاته برفاقه الشيوعيين الذين تعرف عليهم قبل مغادرته فلسطين ومن خلالهم قدم طلب انتساب عضوية الى الحزب الشيوعي الفلسطيني. وجدد نشاطه السياسي وساهم في تأسيس اتحاد عمال فلسطين ومن ثم وعلى خلفية الانقسام القومي في صفوف الشيوعيين الفلسطينيين العرب واليهود انضم الى عصبة التحرر الوطني حزب الطبقة العاملة العربية في فلسطين وسرعان ما أصبح عضوًا في قيادتها وثم سكرتيرها .
واثناء نشاطه في اتحاد عمال فلسطين شارك في قيادة نضالات الطبقة العاملة الفلسطينية وأسهم في التعاون بين العمال العرب واليهود من خلال تقديم المشورة والدعم النقابي هو والرفاق اليهود من الحزب الشيوعي الفلسطيني ومنهم الرفيقين الياهو غوجانسكي وماير فلنر وذلك خلال اضراب الموظفين الشهير سنة ١٩٤٦ وقد اشار الرفيق ماير فلنر الى هذا التعاون خلال اجتماع اللجنة المركزية التأبيني برحيل فؤاد نصار وكذلك خلال كلمته التأبينية في اجتماع الناصرة بتاريخ ٧٦/١١/٦، وكان فؤاد نصار تعرف على الشيوعيين اليهود خلال فترة اعتقاله الأولى في سجن عكا حيث تشارك في السجن مع ثلاثة من الشيوعيين اليهود اعضاء الحزب الشيوعي الفلسطيني.آ
والمراجِع لأعداد الاتحاد خاصةً في السنوات الأخيرة من عقد النكبة يجد فيها كمًّا من الفعاليات والنشاطات الشعبية التي شارك فيها فؤاد نصار في طول فلسطين وعرضها من نهرها لبحرها مشاركةً مع رفاقه الشباب في لقاءاتهم مع الجماهير الفلسطينية والعمال الفلسطينيين يشرحون لهم الأوضاع السائدة في البلاد وأخطار المؤامرة التي كانت تخططها بريطانيا المستعمِرة مشاركةً مع اذنابها من الحكام العرب والمنظمة الصهيونية.آ
لم يستطع فؤاد نصار ورفاقه تحقيق أماني شعبهم في الحرية والاستقلال ومنع النكبة ومنع والتهجير، لكنهم وضعوا الأساس للحل الممكن للمأساة الفلسطينية التي لا تزال مستمرةً الى الآن، وذلك بالتمسك بحق تقرير المصير والعودة وإقامة الدولة المستقلة.آ
بعد نكبة فلسطين تنقل فؤاد نصار بين غزة والخليل ونابلس وفي سنة ١٩٥١ قاوم ورفاقه في العصبة ممّن كانوا في المنطقة التي احتلها الأردن ، قاوموا توحيد "الضفتين" الذي يعني إجهاض حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، ثم في سنة ١٩٥٢ قاد تشكيل الحزب الشيوعي الأردني وظل في قيادته حتى وفاته في ٣٠ ايلول ١٩٧٦.
أخيرًا ، لا بد من الإشارة الى أن فؤاد نصار يعتبر أحد القادة الفلسطينيين الذين لم يحظَوا للأسف الشديد بالإعتبار والتكريم والدراسة كما يُستحَق والى جانبه عدد من قادة كبار لم تُفتَح الى الآن أوراق تخليد ذكراهم ودراسة سيرهم دورهم التاريخي والسياسي ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الرفاق بشير البرغوثي، وإميل توما وسليمان النجاب..